جهاديو سورية: تحولات فكرية وتكتيك سياسي يهيّئان لتغيير الموازين

29 يوليو 2015
من تدريبات حركة "أحرار الشام" (الأناضول)
+ الخط -
تشهد الساحة الجهادية في سورية تبدّلات سريعة في المرحلة الأخيرة. لا يُمكن فصل هذه التبدلات عن الحراك السياسي الإقليمي والدولي في سورية، والذي يسعى لقولبة فصائل المعارضة السورية، وخصوصاً الإسلامية منها، لتكون ذات مقبوليّة دوليّة.

تُعدّ "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، الفصائل الإسلاميّة الأهم على الساحة السورية. استطاع "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، أن يُحافظ على علاقاته الإقليميّة، وهو ما يجعله مقبولاً إقليمياً ودوليّاً، على الرغم من تعرّضه لانتقادات واسعة على الصعيد المحلي، تتراوح بين اتهامه باختطاف عدد من الناشطين المدنيين ومقاتلي "الجيش الحرّ"، إلى مسؤوليّته عن تصفية بعض الكوادر، والأهم التنسيق مع النظام في أماكن معينة، ومع مجموعة قريبة من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

أمّا بالنسبة لـ"جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، فيبدو الواقع مختلفاً. لا تُعرّف "أحرار الشام" نفسها بأنها حركة "سلفيّة جهاديّة"، وإن كانت تضمّ في صفوفها أشخاصاً يؤمنون بالسلفيّة الجهاديّة. كما حصرت منذ بداية تأسيسها، عملها داخل الحدود السورية، مثلما أن قيادتها سورية.

تشهد الحركة، اليوم، تحوّلات، توحي بأنها تعمل على تعزيز مشروعيتها الدوليّة، وأهمها التغييرات في عدد من المراكز القياديّة الحساسة. وقد بدأت الحركة حملة علاقات عامة دوليّة، تمثّلت بنشر مقالتين لمدير مكتب العلاقات الخارجية فيها، لبيب النحاس، في صحيفتي "واشنطن بوست" الأميركية و"ذي تلغراف" البريطانية. وهو ما استدعى سلسلة من الردود السلبية، وأبرزها لمنظّر التيار السلفي، أبو محمد المقدسي، تعليقاً على المقالتين، والتي جاء فيها: "الحرص على تلميع صورتك عند عدو يقصف إخوانك ويقتلهم بكل مكان بإعلانك له بأنك لست منهم، إن لم يكن مخلاً بعُرى التوحيد للتأويل، فهو مخزٍ ومخلّ بالمروءة".


في حين كان ردّ أبو قتادة الفلسطيني (أحد منظري التيار السلفي) أكثر قسوة، إذ وصف خطاب الحركة بـ"الفاشل"، واعتبر أنه "سيجعلها تُعادي محيطها الإسلامي الداعم لها، خصوصاً التيار الجهادي الذي هو عصب الحركة الجهادية بكل ألوانها وأطيافها". وأضاف أن "هناك بعض التسريبات التي يسوقها غيرهم عنهم، لأمر دبر بليلِ ولتوريط مستقبلي خبيث، وهو أنها مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله مقابل قبول أوراق الاعتماد".

المثير للاهتمام أن من أبرز المدافعين عن خطوة "أحرار الشام"، كان عدد من مسؤولي "جبهة النصرة"، ومنهم من تمّ فصلهم من الحركة منذ فترة قليلة. ومن أبرز هؤلاء: أبو ماريا القحطاني (شرعي جبهة النصرة سابقاً)، وصالح الحموي (أو صالح حماه) ولديه حساب على موقع "تويتر" تحت اسم "أس الصراع في الشام"، وهو من مؤسسي "جبهة النصرة" وأحد أعضاء مجلس الشورى فيها سابقاً، ومظهر الويس أحد شرعيي "النصرة". وقد شنّ هؤلاء، وآخرون، هجوماً حاداً على "منظري التيار السلفي" أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني.

لكن من أهم ما قيل، خلال هذا النقاش، هو ما كتبه "أس الصراع في الشام" وهو: "جرّبنا 30 عاماً جهاداً بلا سياسة ففشلنا، وجربنا 30 عاماً سياسة بلا جهاد ففشلنا فشلاً أكبر، دعونا نجرّب فقط عشرة أعوام جهاداً وسياسة".

وخلال احتدام النقاش، حول هذا الموضوع، استعان الطرف المدافع عن "أحرار الشام" والتواصل مع الغرب، بتجربة حركة "طالبان" في هذا الخصوص، بالإضافة إلى كُتب ومواقف الشيخ عبدالله عزام، أحد مؤسسي تنظيم "القاعدة"، وبمواقف لأسامة بن لادن نفسه.

وتزامن هذا النقاش، مع عمليات الفصل والتغييرات في المراكز القيادية في "جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، خصوصاً أن من يتم فصلهم من "النصرة" هم دعاة انفصالها عن تنظيم "القاعدة" وتعزيز تعاملها مع الفصائل السورية. بمعنى آخر يطالب هؤلاء بـ"تغليب المصلحة السورية على عالمية الجهاد". وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة، ويبدو أنه بات بعيداً عن التحقيق، وقد مارس "منظرا السلفية الجهادية" أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني دوراً بارزاً في منع حصول هذا الانشقاق.

لكن أحد المصادر العارفة بشؤون السلفية الجهاديّة يقول لـ"العربي الجديد"، إن هذا النقاش لم ينتهِ داخل "جبهة النصرة"، وإن تم فصل أبرز دعاته، لكنه لا يزال قائماً. ويرى أن الانتصار النهائي لدعاة عدم الانفصال عن "القاعدة" سيحوّل "النصرة" إلى نموذج آخر من "داعش"، كون الاختلاف عن "داعش" حالياً هو في الممارسة والتطبيق. وعند هزيمة التيار المعتدل في "النصرة" والذي يُنادي بالمصلحة السورية، فإنه سيخرج منها، وبالتالي ستشهد الساحة الجهاديّة صراعات كبيرة بين "النصرة" والفصائل الأخرى.

ويرى هذا المصدر أن هذا الصوت "المعتدل" يُنادي بالتقارب مع كل الطوائف والمذاهب بهدف رفع الظلم ومقاومة محتل أو غازٍ، ويُضيف أن هذا الرأي "موجود منذ زمن داخل السلفية الجهادية وإن كان الصوت غير مرتفع"، ومن أبرز دعاته أبو حفص الموريتاني، الذي كان، يوماً، الرجل الثالث في "القاعدة". لكنه يلفت إلى أن خوف أصحاب هذه الوجهة ينطلق من الخوف من "الجمهور الجهادي ومن ديكتاتورية المتشددين".

ويلفت المصدر إلى أن "رسالة زعيم حركة طالبان الملا عمر بمناسبة عيد الفطر الماضي تُعزّز هذه الوجهة بشكلٍ كبير، لرمزية الملا عمر وموقعه. وقد قال الملا عمر في رسالته إنّ "القيام بالفعاليات السياسية وانتهاج الطرق السلمية للوصول إلى الهدف المقدّس إلى جانب الجهاد المسلّح، هو أمر مشروع وجزء هامّ من السياسة النبوية الشريفة". وأضاف "أنّنا بصفتنا أعضاء المجتمع الإسلامي ننظر إلى كل مسلم بعين الأخ، وكمسؤوليه دينية نعترف بجميع الحقوق المشروعة لجميع الأفغان بمن فيهم الأقليات".

وفي رسالته، يُشدد الملا عمر على أن "الحركة حريصة على العلاقة مع جميع دول الجوار"، ويُسمي باكستان وإيران، كما يؤكّد أن "حركته استفادت من المرحلة التي تلت انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، فيركز على الحفاظ على المؤسسات والممتلكات العامة، وضرورة احترام كل فئات المجتمع، والتعليم الحديث".

ويُشير المصدر العارف بشؤون الحركات الجهاديّة إلى أن "داعش والقاعدة لا يراعيان الموازنة بين المكاسب والخسائر وذلك بسبب غياب المشروع السياسي". ويُضيف "في المقابل إن حركة حماس، حركة جهادية أدركت هذا التوازن، لذلك لم تنفذ أي عمليّة خارج فلسطين ضد عدوها، لأن نتيجتها السلبية أكبر من المردود الإيجابي، وهو ما تيقنت له طالبان عندما لم تشنّ حرباً مذهبية على الشيعة".

في المقابل، هناك وجهة نظر تقول إن "جيل تنظيم القاعدة، والنصرة جزء منه، وجد نفسه بين خيارين، إما التخلي عن مبدأ الجهاد العالمي، والذي يقضي بعدم الاعتراف بالحدود، والتماثل مع الحركات السفلية الأخرى، والتي لا تتبنى الجهاد العالمي، أو الانخراط في صفوف داعش كونها تحوّلت الممثل الأبرز للسلفيّة الجهادية، ونالت مبايعة الحركات السلفية الجهادية من أفغانستان إلى المغرب العربي وشمال أفريقيا، وفي سورية والعراق طبعاً. وبالتالي يرى أصحاب وجهة النظر هذه، أن من يدعو إلى تغليب المصلحة الوطنيّة، إنما يتخلى عن الفكر الجهادي".

يحتاج الأمر لمزيد من الوقت، لمعرفة ما إذا كنا نشهد تحوّلاً فكرياً جدياً داخل السلفية الجهادية، أو أن الأمر يقتصر على تكتيك سياسي ذي بُعد مصلحي، ومرتبط بتدخلات الدول الإقليميّة. لكن الأكيد أنه سيترك أثراً واضحاً في العلاقة بين "جبهة النصر" و"أحرار الشام" اللذين يُعتبران، حتى اللحظة، حليفين تحت لواء "جيش الفتح".

اقرأ أيضاً معارك حزب الله غير المنتهية في سورية: إلى درعا در


الحموي يكشف: مجلس شورى "النصرة" شكلي

رد صالح الحموي على قرار فصله في جبهة النصرة ببيان أشار فيه "إنني لم أفاجأ بقرار فصلي بقدر مفاجأتي بالأسلوب والآلية والمرجعية التي استندوا إليها في حيثيات القرار". وكانت "جبهة النصرة" قد بررت فصل الحموي بعدم التزامه "السياسةَ الإعلامية للجماعة وضوابطها".
وفي إطار ردّه، أشار الحموي إلى أن "جنود وأمراء النصرة وحتى باقي الفصائل يعلمون أن مجلس الشورى هو صوري، لا تأثير له بالقرار، بل لا أحد يعرف عدده وأسماء أعضائه الدائمين لأنه في كل جلسة يتغير الأعضاء، وأنا أكاد أجزم أن هناك أعضاء في الشورى قرأوا بيان الفصل من الإعلام". ويُشير في ردّه إلى أنه قد عزم على ترك "النصرة"، "منذ تسريب كلمة الشيخ الجولاني التي أعلن بها إمارة، وقبلها بأسبوع أبلغني، أن هناك حدثاً كبيراً سنعلن عنه سيحل كل مشاكل الساحة، ورغم أني يومها كنت عضواً في مجلس شورى الجماعة لم يعلمني ما هو الحدث، لا أنا ولا أي أحد من أعضاء الشورى لا في الشمال ولا في الجنوب الكل فوجئ بكلامه، وبعد تسريب الكلمة انتقدت هذا الإعلان على العلن، وكان هذا أول خلاف حقيقي بيني وبينه والذي عاتبني به، وقال كان عليك أن تتريث قبل التعليق! فرددت عليه قلت له كلامك واضح، إعلان إمارة بلا استشارة وعلى العلن فلا بد من التبيان على العلن".


ولفت إلى أنه سبق وطالب بوضع نظام داخلي يُبيّن الحالات التي يفصل فيها أي عضو "ولطالما ألححت بشدة على أن يكون للجماعة نظام داخلي، يوضح صلاحيات كل مفصل ونظام للعقوبات، فللأسف الأمور كلها سياسة أحادية من شخص واحد، ولله الحمد كنت من أوائل من طالب بتأسيس لجنة مساءلة ومحاسبة ورفض يومها الشيخ (أبو محمد) الجولاني وقال، أظن أن علاقاتنا الأخوية أكبر من أن نسائل بعضنا بعضاً".

ولم يستبعد وجود ضغوط خارجية للخروج بـ"هكذا قرار سياسي وليس تنظيمياً من بعض المشايخ (يُلمّح لأبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي) لدخولي معهم في سجالات فكرية وأمور في السياسة الشرعية خالفتهم فيها، حتى أن هؤلاء المشايخ ناقشوا كلامي على بعض الغرف على النت، ويسموننا بالقُطريين وطالبوا قيادة النصرة بحسم أمرها تجاهي لمخالفتي لنقدها علناً ".

وأشار إلى أن كل الأمور التي "خالفت فيها الجماعة نهلتها واستمددتها من كتابات الشيخ عطية الله الليبي والشيخ أبي يحيى الليبي ووثائق أبوت اباد، ومرجعية القاعدة الأم، وكل عملي هو إعادة "النصرة" لسياسة القاعدة التنظيم الأم وتركها لسياسة تنظيم الدولة (داعش) التي هي تأثرت بها كثيراً". وهنا يكشف أنه في "جلسة بيني وبين الجولاني في 23 رمضان 2011 وقبل أن أبايعه طلبت منه أن نكون في الشام تابعين مباشرة لخراسان، ولا نتبع دولة العراق الإسلامية فرفض وقتها، وبقيت سنة كاملة في كل اجتماع معه أذكّره بهذا الأمر حتى قال لي الالتحاق بخراسان بِعُرف الإخوة في الدولة يعتبر جريمة، وأرجو منك ألا تكرر هذا الطلب نهائياً مرة أخرى".

المساهمون