جنيف بلا مفاوضات:المعارضة تنسحب الجمعة إن لم يتوقف القتل

31 يناير 2016
يصرّ مسلط على تحقيق تقدم بالملف الإنساني(فابريك كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
ظلت الاجتماعات السورية التي يتولى إدارتها مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، عبارة عن اجتماعات لم ترقَ إلى مستوى المحادثات حتى، علماً أنها لن تتحول إلى مفاوضات إلا بعد إرغام روسيا والنظام السوري على تنفيذ القرار الدولي رقم 2254، خصوصاً المادتين 12 و13 الخاصتين بوقف آلة القتل وحصار المدن وتجويعها.

وبدا النظام وروسيا حريصين على تحدّي العالم بأسره، وسط لا مبالاة غربية، عبر تكثيف العمليات الحربية التي ترقى إلى مستوى الإبادة من أقصى الجنوب في درعا إلى أقصى الغرب والشمال في حلب وعند الحدود التركية، مروراً بداريا. ولما كان سلوك تنظيم "داعش"، منذ ظهوره في سورية، يصب في مصلحة النظام والترويج لروايته عملياً، أتت العمليتان الانتحاريتان الطائفيتان، أمس الأحد، في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، لتعزز ادّعاء دمشق وموسكو الخاص بأن نظام بشار الأسد يحارب "الإرهاب" ويشكل بديلاً عنه.

وقد عقد وفد المعارضة السورية، في جنيف، أمس الأحد، أول اجتماعاته مع دي ميستورا، والذي سبق أن وصف محادثات جنيف، في تقرير سري نُشر مضمونه يوم السبت، بأنه "عاجز عن تحقيق السلام في سورية". ونقل أعضاء الوفد المعارض عن المبعوث الأممي "وعداً" جديداً يُضاف إلى سلسلة تصريحاته التي تصبّ في خانة ضرورة تطبيق "البنود الإنسانية" الواردة في القرار 2254.

لكن المعارضة تبدو مصرّة على الالتزام بتعهداتها إزاء الشعب السوري، وهو ما قد يُترجم، قريباً، ربما يوم الجمعة، بالانسحاب من اجتماعات سويسرا في حال لم يتم تنفيذ وقف إطلاق النار من قبل النظام السوري وحلفائه، بحسب ما علمت "العربي الجديد" من مصادر الوفد المفاوِض. أما وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، فلم يجد حاجة للتنديد بالتصعيد غير المسبوق لآلة القتل السورية النظامية ــ الروسية، بل اكتفى بتقديم نصيحة جديدة للمعارضة، مغلفة بالتهديد، ومفادها بأنّ الوفد يجب أن يبقى في جنيف على الرغم مما يحصل في سورية.

وقد وضع وفد "الهيئة العليا للتفاوض" سقفاً زمنياً ينتهي يوم الجمعة لتنفيذ البندين 12 و13 من القرار الدولي لخارطة الانتقال السياسي، وإلا العودة إلى الرياض، بينما واصل وفد النظام هوايته في الإغراق بالتفاصيل واللعب على ملف الإرهاب بغية الهروب إلى الأمام بشمّاعة "الإرهاب"، للتنصل من تنفيذ بيان جنيف 1 حول هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات.

وبدا الوضوح سمة المشهد العام لجنيف بالنسبة للمعارضة السورية منذ وصولها، إذ التقت دي ميستورا أمس في مقر إقامتها، أي في فندق "إن في واي" في جنيف، بعد رفضها الاجتماع معه في مقر الأمم المتحدة، لمنع الدخول في محادثات رسمية قبل تنفيذ مطالب الشعب السوري. وأكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا سالم المسلط، في مؤتمر صحافي، أن المعارضة "لن تشارك في مفاوضات السلام إذا لم يتحقق تقدم بالملف الإنساني"، مشيراً إلى أن المعارضة "تطالب بإطلاق سراح النساء المعتقلات في سجون النظام قبل أي مفاوضات".

اقرأ أيضاً وفد المعارضة بجنيف: لا مفاوضات قبل الدفع بالقضايا الإنسانية

واستبق المسلط حديث النظام المعهود عن الإرهاب، حين اعتبر أن التفجير الذي حدث في مدينة السيدة زينب جنوب دمشق "مفبرك" ومن صنع النظام، متسائلاً: "هل تستطيع المعارضة الوصول للمنطقة، وهي التي تقع تحت سيطرة مليشيات إيران الطائفية". من جانبها، قالت العضو في فريق التفاوض التابع إلى المعارضة، بسمة قضماني، إن الوفد جاء إلى جنيف بعدما تلقى ضمانات والتزامات، مشيرة إلى أن لديه التزامات محددة بأن يتحقق تقدم جدي في شأن الوضع الإنساني. في السياق ذاته، طالب منسق الهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، من الرياض، بفك الحصار وإدخال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين، والذي هو فوق مستوى التفاوض مع النظام. وعبر حجاب خلال لقائه مع وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو في الرياض عن قلقه من استمرار الحصار على مختلف المدن السورية وتكثيف القصف الجوي على المدن السورية ومخيمات اللاجئين.

وأكد حجاب، في بيان تسلم "العربي الجديد" نسخة منه، أن التجاوب الذي أبدته الهيئة يأتي على خلفية الضمانات والتعهدات الخطية التي تلقتها من العديد من القوى الدولية بمعالجة المسألة الإنسانية، لافتاً إلى أنه في ظل إمعان النظام وحلفائه في انتهاك حقوق الشعب السوري فإنه لن يكون لبقاء وفد الهيئة في جنيف أي مبرر، وقد تضطر الهيئة لسحب وفدها التفاوضي في ظل استمرار عجز الأمم المتحدة والقوى الدولية عن وقف هذه الانتهاكات.

على الجانب الآخر، استمر رئيس وفد النظام السوري، بشار الجعفري، في مساعيه لتبرير عدم الالتزام بالقرار الدولي المذكور، وأعاد توزيع اتهاماته لدول إقليمية بـ"دعم الإرهاب"، وأعاد فتح ملف ضرورة عدم اقتصار وفد المعارضة على الهيئة العليا للمفاوضات، أكثر من ذلك، حاول الجعفري تحوير صيغة القرار 2254، حين تحدث عن حكم ذي مصداقية وليس عن هيئة حكم انتقالية، مبيّناً أنه بالنسبة للحكم ذي المصداقية "سنتفق عليه أثناء الحوار كسوريين".
ويمكن القول إن العصي التي يحاول النظام وضعها في العجلات مبكراً، قد تكون أحد أهم العوامل التي تدفع للاعتقاد بعدم خروج "جنيف 3"، عن سياق توقعاتٍ تقلل معظمها من فرص أن يُسفر عن نتائج مهمة، كل ذلك أمام أنظار الأمم المتحدة والإدارة الأميركية التي لا تزال تبدو متناغمة مع الموقف الروسي.

في هذا السياق، يقول رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، أحمد بري، "إننا على رغم من دعمنا الكامل لهيئة التفاوض، وأملنا في أن تلتزم الدول الصديقة في وعودها للمعارضة، لكن بالنهاية الجميع يعرف أن النظام مراوغ وكاذب، وليس لنا أدنى ثقة بكل ما يقوله، وهو مع الإيرانيين والروس لا يمكن تصديقهم لأنهم أساساً لا يلتزمون بعهد".

وحول الضمانات التي تُصر عليها هيئة التفاوض، في ما يخص تنفيذ كامل بنود القرار الدولي 2254، قبل الدخول بالعملية التفاوضية، أكد بري في حوارٍ مع "العربي الجديد"، أنه "ورغم التطمينات الأميركية، ليس عندنا أي أمل بإمكانية التزام النظام بوقف قصف المدنيين، بدليل قصف مخيمات ريف اللاذقية الشمالي" يوم السبت. ويذهب القيادي العسكري في المعارضة أبعد من ذلك بالقول إن "الدول الكبرى وفي ظل غياب بديل عن الأسد لخدمة مصالحها، تريد حلاً على حساب الثورة، بأي شكلٍ من الأشكال، وجنيف وأمثاله يأتي في هذا السياق".
ويخلص بري إلى أن قوى المعارضة العسكرية "لم يعد لها ثقة بالدول الغربية الداعمة"، متسائلاً عن "وجود فيتو حول امتلاك المعارضة لمضاد للطيران علماً أن النظام على الأرض لا يستطيع تحقيق أي مكسب بغياب سلاح الجو، ولو أن الدول صادقة في وعودها للمعارضة لسمحت لنا بامتلاك مضاد طيران".

وعلى وقع الحضور الروسي ممثلاً بنائب وزير الخارجية الروسي، بجينادي غاتيلوف، ونائبة وزير الخارجية الأميركي آن بترسون للدفع بالعملية السياسية، من المقرر أن يجتمع دي ميستورا، اليوم الإثنين، مع ممثلي النظام السوري والمعارضة في غرفتين منفصلتين لعرض تصوره للمفاوضات.

اقرأ أيضاً وفد النظام السوري في جنيف:مخابرات ومجرمو حرب ومبرِّرو الإبادة
المساهمون