جنوب السودان يستجدي الطعام

17 مارس 2017
يحملنَ ما توفّر لهنّ من مساعدات(ألبرت غونزاليس فران/فرانس برس)
+ الخط -
في جنوب السودان مجاعة أو كارثة إنسانية، بحسب خبراء. بذلك، تكون الدولة في المستوى الخامس والأعلى من تصنيف الأمن الغذائي

مأساة هي التي تطغى على الوضع الإنساني في دولة جنوب السودان. في العشرين من فبراير/شباط الماضي، أعلنت منظمات تابعة للأمم المتحدة وكذلك الحكومة الجنوبية عن مجاعة في منطقتين في ولاية الوحدة، محذّرة من تمدّدها إلى مناطق أخرى، وسط تقاعس عن إنقاذ ملايين الجنوبيين من خطر انعدام الطعام.

تحرّكات دولية وإقليمية عدّة ترافقت مع هذا الإعلان، إلا أنّها لم تكن بالشكل الذي من شأنه محاصرة الخطر. وبدت ولاية شمال بحر الغزال أقرب إلى إعلان المجاعة، بعد استشراء الجوع فيها ووفاة عشرات من أهلها. ويؤكد وزير الشؤون الإنسانية في دولة جنوب السودان، حسين مارنوت، أنّ "ولاية شمال بحر الغزال أصبحت مهددة بخطر المجاعة، أسوة بمنطقتَي الير وميان ديت في ولاية الوحدة. وثمّة معلومات تفيد بوفاة نحو عشرة أشخاص خلال يومَين اثنَين في الولاية". يضيف لـ "العربي الجديد": "صحيح أنّ الوضع فيها لم يصل حتى الآن إلى وضع المنطقتَين اللتَين أُعلنتا أخيراً في مجاعة، إلا أنّه سوف يتفاقم ويبلغ التأزّم نفسه إذا لم يصار إلى تحرّك سريع".

ويحذّر مارنوت من "تحوّل الوضع الإنساني في جنوب السودان برمّته إلى كارثة مع حلول موسم الأمطار، وهو الأمر الذي يتطلب تدخلاً إنسانياً عاجلاً. فإذا لم يصار إلى تدخّل سريع لإنقاذ الوضع، سوف تمتدّ المجاعة إلى مناطق أخرى". ويشير إلى أنّ "الحكومة وجّهت نداءات لاستقطاب الدعم الدولي والإقليمي، لكنّ مستوى استجابة الأمم المتحدة ومنظماتها ضعيف". ويوضح أنّ "ثمّة وعودا من قبل الدول المانحة ومن منظمات إنسانية، أمّا على أرض الواقع فلا شيء. وحتى اليوم، لم تستطع المنظمات الأممية تغطية ولو واحد في المائة من الميزانية المقترحة". وإذ يقول إنّ "تعدّد كوارث المجاعة في الصومال واليمن يحدّ من التحرّك"، يرى "حاجة إلى الاستعانة بدول الجوار، خصوصاً السودان".

وينتقد مارنوت عمليات إنزال المساعدات الإنسانية للمتضررين التي تنتهجها منظمات الإغاثة، مؤكداً أنّها لا تستطيع الوصول إلى المتضررين جميعاً. ويوضح أنّ "الإنزال لا يكفي حاجة آلاف المتضررين، الأمر الذي يتطلب بالتوازي، إرسال قوافل شاحنات".

صغيرها يعاني من سوء تغذية حادّ (ألبرت غونزاليس فران/ فرانس برس)


ويشيد مارنوت بتوجيهات الرئيس السوداني عمر البشير بفتح المسارات لإرسال المساعدات المختلفة إلى الجنوب، لافتاً إلى أنّهم يعملون على تفعيل الخطوة. ويرى أنّ "إرسال الأمم المتحدة المعونات عبر الخرطوم أفضل من إرسالها من دول شرق أفريقيا، إذ إنّ السودان أقرب (جغرافياً) إلى الولايات الأكثر تضرراً من المجاعة، الأمر الذي من شأنه أن يسهّل عملية التوصيل ويختصر الوقت والمسافة. فأيّ تأخير مع هطول الأمطار هو بمثابة كارثة إنسانية". في هذا السياق، يتحدّث عن "رغبة بلادنا في استفادة الجار السودان من الخطوة اقتصادياً. فالأمم المتحدة جاهزة لشراء المخزون الاستراتيجي من السودان وبالعملة الصعبة".

عند إعلان المجاعة في منطقتَي لير وميان ديت في ولاية الوحدة، أكّدت الحكومة أنّ مائة ألف شخص يواجهون تلك المأساة، فيما أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أنّ 40 في المائة من سكان الجنوب (4.9 ملايين شخص) في حاجة ماسة إلى الطعام وسريعاً. أمّا قبيل الإعلان، فكانت الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية قد عمدت إلى ابتعاث فرق لإجراء مسح كامل في مناطق مختلفة. وفي ضوئه، وُضِعت دراسة شاملة وفقاً لمعلومات من المركز القومي للإحصاء وحُدّدت حالات سوء التغذية وأعلنت المجاعة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الواقع المأساوي الذي يعيشه الجنوبيون السودانيون في المناطق النائية والولايات الحدودية من جرّاء النقص الحاد في الغذاء، دفع بأكثر من مائة ألف شخص إلى الفرار نحو السودان، خلال الأسابيع الثلاثة الفائتة، وفق ما تفيد مصادر حكومية "العربي الجديد"، فضلاً عن توجّه آلاف نحو أوغندا وكينيا.

إلى ذلك، تشكو منظمات الأمم المتحدة من قيود تفرضها الحكومة على عملها، مشيرة إلى طلب حكومي بمغادرة 28 موظفاً في المنظمات مدينة مابانديت التي أعلنت فيها المجاعة. كذلك، يعيق القتال في الضواحي عملية تقديم المساعدات.

في سياق متصل، حدّدت الأمم المتحدة الميزانية المطلوبة لمواجهة الأزمة بـ1.6 مليار دولار أميركي، بينما تلقت فقط 9.3 في المائة منه. ويوضح مصدر في الأمم المتحدة لـ "العربي الجديد"، أنّ "ضعف التمويل أمر أساسي في إعاقة عمل المنظمات التي يصعب عليها الوصول إلى المتضررين جميعاً". ويشدّد على أنّ "أيّ تأخير في توصيل المساعدات، من شأنه أن يعرض حياة الآلاف لخطر الموت جوعاً خلال الفترة المقبلة. وتقييد الحكومة عمل المنظمات عامل آخر في تأخير المساعدات، فضلاً عن محاولتها الاستثمار في الأزمة". ويشير هنا إلى "قرار الحكومة بزيادة تكلفة تصاريح العمل على عمال الإغاثة الأجانب، بالإضافة إلى حظرها من وقت إلى آخر توصيل مساعدات إلى مناطق المعارضة التي تواجه المجاعة".