جنوب السودان: النظام والمعارضة يرفضان "الوصاية الدوليّة"

16 نوفمبر 2014
ضغوط على جنوب السودان لوقف إطلاق النار (فرانس برس)
+ الخط -


يشهد مجلس الأمن الدولي تحرّكات مكوكيّة، لوضع دولة جنوب السودان تحت الوصاية الدوليّة لمدة عامين، بهدف إنهاء حرب مشتعلة في الدولة الفتية منذ ما يقارب العام، راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف شخص وتشرّد ما يتجاوز المليون ونصف المليون نسمة، عدا عن اقتراب الدولة من أعتاب مجاعة محتملة.
ولم تأتِ الخطوة في مجلس الأمن وليدة الصدفة، إذ سبق وأثارتها الولايات المتحدة مباشرة عقب اندلاع الحرب الأهليّة في دولة جنوب السودان، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبل أن تدفع بمشروع القرار الحالي، بحجّة افتقار جوبا للنخبة، صاحبة الخبرة والفعالية السياسيّة التي تستطيع أن تقود الدولة إلى برّ الأمان.

وفي وقت سابق، كتب مساعد وزير الخارجيّة الأميركي للشؤون الأفريقية السابق، هانك كوهين، مقالاً أكّد فيه أنّ الحركة الشعبيّة، النظام الحاكم في جوبا، غير قادرة على إدارة الدولة الفتيّة، التي يرى أنها بدأت استقلالها بأصفار كبيرة في مجالات البنية التحتيّة والتعليم والاستثمار الخاص والمؤسّسات. ويتوقّف عند منافسة عنيفة على السلطة، انطلقت داخل تنظيم الحركة إبّان الحرب عام 1991، بين زعيم الحركة حينها، جون قرنق، ورياك مشار، ليؤكّد عدم قدرة الحركة على حكم الجنوب. ويقترح فرض وصاية دوليّة على الدولة الفتيّة، تساعد الجنوب المشتعل على إقامة دولة حقيقيّة، إسوة بدولة الكونغو التي فرض مجلس الأمن الدولي الوصاية عليها، بعد بضعة أشهر من استقلالها عام 1960، من دون تذمّر الأقليّة المتعلّمة في البلاد.

وتشير مصادر في مجلس الأمن الدولي لـ "العربي الجديد"، إلى مشاورات حثيثة في اليومين الأخيرين داخل أروقة المجلس الدولي حول مشروع القرار الأميركي بشأن فرض الوصاية الدوليّة على الجنوب، لممارسة ضغوط على الحكومة في جوبا والمعارضة بقيادة رياك مشار، للتوصّل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب هناك. وتوضح أن الاقتراح قطع شوطاً لإدراجه ضمن أجندة المجلس، ولاسيّما أنّه وجد قبولاً واسعاً لدى أعضاء المجلس، باستثناء بعض الاعتراضات والتحفّظات من بعض الدول الأفريقيّة والعربيّة، بالإضافة إلى دولة الصين، التي تشدّد على منح الأطراف المتنازعة فرصة أكبر، للتوصّل إلى سلام جنوبي، قبل الانتقال إلى مرحلة الوصاية.

ويتضمّن مشروع القرار فرض وصاية دوليّة على الدولة الفتيّة، من خلال تولّي الأمم المتحدة إدارة البلاد بشكل كامل، اقتصادياً وسياسياً، على أن تدفع بموظفين مدنيين وقوات أمميّة لحفظ الأمن، بهدف إعدادها لإدارة شؤونها بفاعلية. وسبق لمجلس الأمن أن فرض الأمر ذاته في تيمور وكوسوفو. وينصّ مشروع القرار على أن يبقى من هم في الخدمة من المدنيين الجنوبيين في وظائفهم على أن يخضعوا للتدريب، إلى جانب إصلاح المؤسّسات الموجودة وإعادة تكوين الجيش الجنوبي والأجهزة الأمنيّة حتّى يستطيع الجنوب بعد عامين، الدخول في انتخابات وحكم نفسه بنفسه.

وتجد الخطوة معارضة قويّة من "الإيغاد"، التي تتهم الأمم المتحدة بخطف ملفّ الجنوب. ويعتبر الأفارقة أنّ الخطوة نتاج للأطماع الغربيّة في القارة السمراء، وتعدّها بمثابة استعمار حديث، من شأنها تهديد مصالحها في المنطقة. ولم تتأخر "الإيغاد"، عن تهديد طرفي النزاع الجنوبي صراحة، في اجتماعها الأخير في الشهر الحالي، بالتدخّل في الشأن الجنوبي، من دون استشارة الطرفين، لحماية الأرواح وتأكيد السلام والاستقرار في حال انتهاك أي طرف لاتفاق وقف العدائيات. كما أنّها أمهلت الطرفين حتى الثاني والعشرين من الشهر الحالي، للتوصّل إلى اتفاق سلام، ينهي الحرب هناك، لتقطع الطريق أمام الوصاية الدوليّة، أو تحوّلها على الأقل إلى وصاية إقليميّة، تضمن بها عدم تهديد مصالحها.

وتحاول الإيغاد، وفق ما تؤكّده مصادرها لـ "العربي الجديد"، أن تجد سنداً دولياً وإقليمياً للخطوة، من قبل مجلسي الأمن الدولي والسلم الأفريقي. ويقول مصدر قيادي جنوبي معارض لـ "العربي الجديد"، أنّ "الخطوة تُعدّ مؤشراً خطيراً، إذ ستسلب الجنوب سيادته وتؤكّد فشله بإقامة دولة، لكنّها في الوقت ذاته قد تكون جزءاً من الحلّ، في ظلّ استمرار الحرب وعدم وجود حلول في الأفق، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع العملة المحليّة إلى 6 جنيهات مقابل الدولار الواحد، عدا عن تقلص إنتاجية البترول إلى 25 في المائة".

ويُنذر هذا الواقع بكارثة حقيقيّة، لن تستطيع حكومة جوبا مواجهتها، ما يدفع المصادر ذاتها إلى الرهان على الوصاية، باعتبار أنّها "قد تضمن الاستقرار والأمن، وتسهم في بناء جسور جيدة لإدارة الدولة والإصلاح، كما ستوقف تماماً الفساد والمحسوبيّة وتخلق إدارة حقيقيّة للدولة الجديدة".
وفي الوقت ذاته، تعتبر المصادر ذاتها أنّ "للخطوة سلبيّات تتمثّل بعودة الجنوب إلى الاستعمار من جديد، وفقدان الدولة لسيادتها، الأمر الذي يشكّل ضربة لنضالات الحركة الشعبيّة خلال قرابة ربع قرن". وتضيف: "سيسجّل التاريخ ذلك ضدّها، باعتبار أنها أخرجت الجنوب من أحضان المستعمر السوداني لتدفع به إلى أحضان المستعمر الغربي".

وأقرّت الأمم المتحدة نظام الوصاية الدوليّة، بديلاً عن نظام الانتداب الذي أنشأته عصبة الأمم تاريخياً، ووجد مقاومة قويّة من قبل الدول العربيّة والأفريقية، وخصوصاً أنّ الدول الغربيّة وتحديداً بريطانيا وفرنسا استغلته لاستعمار تلك الدول" وتهدف الوصاية إلى ترقية سكان الدول التي تُفرض عليها، سياسياً واقتصادياً وخدماتياً، للمساهمة في تطويرها للانتقال نحو الحكم الذاتي.

في موازاة ذلك، يبدي القصر الرئاسي في جوبا، رفضه التام لأيّ محاولة تقود إلى فرض وصاية دوليّة على جنوب السودان، باعتباره انتهاكاً لسيادة الدولة. ويقول المستشار الصحافي للرئيس سلفاكير ميارديت، ويك أتينج، لـ "العربي الجديد"، إنّه "حتى الآن، لم نبلّغ بالمشاورات الجارية، لوضع دولتنا تحت الوصاية الدوليّة، كما أننا لن نسمح بذلك إطلاقاً وسنناهض الخطوة بقوّة."

وفي تصريح سابق، هدّد نائب الرئيس الجنوبي جيمس واني إيقا، بالعودة إلى "حمل السلاح في حال اتجه تفكير العالم إلى وضع جوبا، تحت الوصاية الدولية". ولم يتردّد في القول: "إذا كانوا يريدون حلولاً للأزمة الجنوبيّة، فعليهم أن يتقدّموا بخيارات منطقيّة، لكن إذا أرادوا استعمارنا بواسطة الأمم المتحدة، فإنني سأعود لأحمل السلاح، على الرغم من تقدّمي في السن".
ويرى المحلّل السياسي والملمّ بملفّ جنوب السودان، علاء الدين بشير، أنّ "قرارات فرض الوصاية الدوليّة، تتمّ وفقاً لمستويات معيّنة، بينها فشل الدولة وانعدام الأمن، إن كان إدارياً، من دون أن تكون هناك حرب أهلية". ويوضح أنّ "جوبا منذ إعلان دولتها، قبل ثلاثة أعوام، تصدّرت التقارير الخاصة بفشل الدول وتقدّمها ووصلت إلى قمّة الفشل، مع اندلاع الحرب الأهلية فيها، وافتقارها لمعدّلات التنمية والتعليم، ناهيك عن الأمراض والأوبئة".

ويعمد مجلس الأمن، وفقاً لتلك المعطيات، وفق بشير، إلى "فرض قرار الوصاية، ولكنّه يرى أنّ هناك إجراءات يُفترض حصولها قبل، وتتعلّق بتكوين لجان تحقيق خاصة بالانتهاكات التي وقعت". ويضيف: "كما جرت العادة أن تكون الأولويّة للتدخّل الإقليمي، أيّ الاتحاد الأفريقي، وإن عجز تتولى المهمة الأمم المتحدة".
ويُعرب عن اعتقاده بأنّ الخطوة "ستجد رفض الأفارقة، بسبب جدليّة الخوف من الأطماع الغربيّة وتبرير الاستبداد المحلي، كما أنّ مجلس الأمن نفسه سيكون عاجزاً عن تنفيذ تلك الخطوة، بسبب تركيبته". ويتوقّع "ألا يلقى المشروع موافقة كاملة، ليكون بمثابة ورقة ضغط فقط على الأطراف الجنوبيّة"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "المجتمع الدولي، عادة ما تحرّكه مصالحه، فيما القضايا الإنسانيّة تأتي في آخر اعتبارات أيّ تحرّك".
ويؤكد بشير أنّ "الضغط نفسه لن يأتي بنتيجة، باعتبار أن لوردات الحرب لن تخشاه ما لم تتوفّر لديهم الإرادة الحقيقيّة بإنهاء الحرب"، من دون أن يستبعد أن "تكون تجربة الرئيس السوداني عمر البشير، الذي تحدّى المجتمع الدولي، محفزة لهم".