يسعى مجلس النواب اللبناني، يوم غد الخميس وبعد غدٍ الجمعة، إلى إقرار مجموعة مشاريع قوانين "عاجلة"، في جلستين تشريعيتين. وفي وقت تحمل غالبية المشاريع عناوين مالية غير خلافية، يلقى مشروع قانون "استعادة الجنسية للمُتحدّرين من أصل لبناني"، الذي تقدمت به كتلة "القوات اللبنانية" وتكتل "التغيير والإصلاح"، بصفة "معجل ومكرر"، معارضة من كتلة "المستقبل" النيابية، والجمعيات الأهلية التي تُطالب بإعطاء المرأة اللبنانية المُتزوجة من أجنبي حق منح الجنسية اللبنانية لأبنائها. ويحصر مشروع القانون المُقترح إمكانية استعادة الجنسية في "المتُحدّرين الذكور لأبيهم فقط".
مقارنة خاطئة
في السياق، ترفض المحامية والناشطة في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، منار زعيتر، المقارنة بين المشروعين، مؤكدة أن "تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين هي مطلب تشريعي مُحق، بصرف النظر عن الاعتبارات الطائفية والسياسية للكتل المشاركة في البرلمان". وتشير إلى "مخالفة التمييز القائم في البلاد بين الجنسين للمعاهدات الدولية التي وقّع عليها لبنان، كاتفاقية سيداو وشرعة حقوق الطفل".
معاناة يومية
من جهتها، تشير اللبنانيّة المتزوجة من مواطن فرنسي، هلا بجاني، لـ"العربي الجديد"، إلى وجود "تمييز جندري وطبقي ممنهج في الدوائر الرسمية". ففي إحدى زياراتها إلى لبنان لتجديد "إقامة المُجاملة" التي يمنحها الأمن العام اللبناني لأطفال المتزوجات من أجانب مدى الحياة، صودف وجود امرأة متزوجة من فلسطيني، لكن عنصر الأمن العام "رفض منح أطفالها الإقامة، لأنها لم تُبرز وثيقة زواج، أما أنا فلم يطلبها مني أصلاً، كون زوجي فرنسيا". ولا يخلو حديثها من قلق على مُستقبل بناتها "لأنه سيكون ممنوعا عليهن العمل في المهن الحرة عند بلوغهن سن الـ18".
وكانت "المفكّرة القانونية" (هي نشرة دورية تُعنى بالحقوق القانونية للمواطنين والمُقيمين في لبنان) قد وثّقت عشرات الشهادات الحية لسيدات بقي أطفالهن "مكتومي القيد"، التي يبقى فيها الأطفال من دون جنسية، كحال ماجدة التي لجأت إلى "الواسطة" لتسجيل أولادها في المدرسة، علماً أن الإدارة كانت قد رفضت تسجيلهم بلا هوية. أما كوثر، وهي موظفة في دائرة رسمية، فلم تتمكن من تغطية كلفة عملية جراحية لابنها من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي "لأن والده سوري الجنسية".
بدورها، أكدت حملة "جنسيّتي حقّ لي ولأسرتي" على "أولوية حصول النساء اللبنانيات المقيمات في لبنان على حقوقهن في المواطنة الكاملة قبل المتحدّرين في المهجر". ورفضت تصريحات وزير الخارجية ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" جبران باسيل، المبنية على اعتبارات طائفية بحتة، ترفض حق النساء اللبنانيات في المساواة والمواطنة الكاملة".
ونوّهت الحملة في بيانها بـ"موقف تيار المستقبل الذي تحفّظ على مشروع قانون الجنسية للمغتربين حد الرفض، وعزمه على اقتراح مشروع قانون يجيز للنساء اللبنانيات المتزوجات من أجنبي استعادة جنسيتهن التي فقدنها بسبب زواجهن من أجنبي، ويمنحن الجنسية لأولادهن، حتى إذا كن متزوجات من فلسطيني".
هذا الموقف عبر عنه عضو كتلة "المستقبل" النيابية، النائب محمد الحجار، الذي أعلن صراحة أن تيار المستقبل "مع حق المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها"، مُسجلاً خلال تصريحات تلفزيونية "ملاحظات على مشروع قانون استعادة الجنسية الذي يُسهل في شكله الحالي إساءة استخدامه والتمييز بين الرجل والمرأة".
مع ذلك، وجد مشروع قانون استعادة الجنسية طريقه إلى الجلسة التشريعية بشكل عاجل ومُكرر، بسبب طبيعته الطائفية. أما معاناة السيدات اللبنانيات المتزوجات من أجانب، بالإضافة إلى 7000 طفل مكتوم القيد (بحسب إحصاءات غير رسمية)، فيبقيان ملفين غير مُلحين في حسابات السياسيين اللبنانيين.
المعيار الطائفي
وجاءت تغريدة باسيل لتختصر الخلاف حول المشروعين. كان قد أعلن أنه لن يقبل "مقايضة إعادة الجنسية اللبنانية للبناني أصيل بإعطاء الجنسية لفلسطيني وسوري". وعلّل رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، طرح مشروع القانون بصفة "عاجل ومُكرر"، من خلال التأكيد على "محاولة تنقية الشوائب بعد تجنيس سوريين خلال مرحلة الوصاية السورية (مرحلة الوجود العسكري السوري المُباشر في لبنان)". وقد سبق لهذين الحزبين المسيحيين أن عارضا إقرار التعديل القانوني اللازم لمنح الأم المُتزوجة من أجنبي الجنسية لأبنائها وزوجها، تحت عنوان رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين (المُسلمين) في لبنان، وتهديد التوازن العددي بين المسلمين والمسيحيين.
إلا أن إحصائيات "المفكرة القانونية" أكدت أن "نسبة اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين لا تتناسب مع حجم التهويل الذي يلوّح به معارضو منح المرأة اللبنانية جنسيتها لأسرتها". وتشير الأرقام إلى أن عدد النساء اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين لا يتجاوز الـ4500 حالة، من أصل 76 ألف امرأة متزوجة من أجنبي.
اقرأ أيضاً: نساء قويات