جندرة الغضب

28 أكتوبر 2014
توصف المرأة بالعصابية عندما تغضب (فرانس برس)
+ الخط -
المشهد الأول: صفع النائب نقولا فتوش السيدة منال ضو في قصر العدل. والسبب؟ لا يهم.

المشهد الثاني: عمد رب العمل في إحدى الشركات في بيروت إلى تعنيف المديرة الإدارية لفظياً. السبب؟ لا يهم.

المشهد الثالث: تحرّش مراهق لفظياً بامرأة في عمر والدته في أحد شوارع بيروت. السبب؟ أيضاً لا يهم. فالأسباب تفصيلية، وتكاد تكون بلا قيمة.

مشاهد مختلفة. أماكن مختلفة. وضحايا مختلفين. يجمعهم السؤال التالي: ما هو دافع معظم الرجال باختلاف أعمارهم ومواقعهم وخلفياتهم الاجتماعية أو التعليمية، للتعرّض للنساء لفظياً أو كلامياً أو نفسياً أو جسدياً بغض النظر عن أعمارهن أو مواقعهن أو خلفياتهن الاجتماعية أو التعليمية؟

لدى رصد العوامل، نجد أن المحرك الضمني هو دينامية قوى غير متكافئة. واختلالها منوط بتركيبة اجتماعية تتحكم بالعلاقات وتتأثر بعوامل مثل الجنس، أو العرق، أو اللون، أو الجنسية، أو المكانة الاجتماعية والاقتصادية. يهمنا هنا تعميق النظر بالتركيبة الاجتماعية التي تتحكم بها دينامية القوى بين النساء والرجال في مجتمعنا. قد لا يكون التمييز القائم ضد النساء هو المشكلة الاجتماعية الوحيدة الناتجة عن اختلال دينامية القوى، لكنها إحدى أشكال التمييز التي يجدر التوقف عندها.

هي إذاً دينامية قوى غير متكافئة بين النساء والرجال. تجتمع عوامل عدة لتكريس اختلال هذه الدينامية. ترسخها المنظومة المجتمعية عبر تكريس التمييز القانوني والاجتماعي والاقتصادي بحق النساء اللواتي يرسخنها حين يترجمنها عبر دونية إدراكهن لأنفسهن وقدراتهن. يرسخها أيضاً الخطاب النسوي الذي يكرس صورة النساء الضحايا. لهذه العوامل تأثير ضمني على اختلال توازن القوى. لكن يحدث أن يكرسها الرجال بصورة مباشرة وعلنية.

العنف الممارس ضد النساء ينبع أساساً من اختلال في موازين القوى. العنف بأبسط أشكاله هو ترجمة لشعور الغضب، وهو شعور طبيعي وإن كان بدائياً. نتساءل ما قد يحدث حين يتم التعبير عن شعور الغضب لدى الرجال، مدعوماً بشعور ضمني لا واعي بالتفوق الاجتماعي، وامتلاك امتيازات مجتمعية؟

يغضب الرجل. يترجم غضبه بعدوانية. فيحدث العنف الجندري بأبرز تجلياته. تغضب النساء. في حال تُرجم بصورة عدائية، يوصمن بالعُصابيات. وفي حال كبتنه، يحكم عليهن بالميل إلى الاكتئاب. هي ثقافة مجتمعية إذاً تكرس التفاوت في البنى الاجتماعية وتسعى جاهدة للحفاظ عليه من أجل تكريس التفاوت في ديناميات القوى.

(ناشطة نسوية)
المساهمون