جمعية أصدقاء المغتَصِبين

04 يوليو 2020
+ الخط -

مع كل انتهاك جنسي يُتهم به ذكر عربي، تظهر فوراً عشرات التعليقات الداعمة أو الملتمسة عذرا، وجديدها واقعة اتهام شاب مصري بنحو خمسين واقعة انتهاك، بعضها ضد قاصرات، وبعضها ضد ذكور أيضاً.

استراتيجيات الدفاع تتنوع وتتكرر، هناك استراتيجية "لوم الضحية"، فيتم التركيز على ملابس الفتيات، أو أنهن من استجبن لدعوته باللقاء، أو حتى الاستدلال على موافقة الفتيات بأن الاغتصاب حدث بالفعل، تبعاً للأسطورة العبثية بأن عضلات حوض الفتاة أقوى من أن يتم إجبارها على أي شيء!

استراتيجية دفاعية ثانية، تعميم اللوم، فيتم تحويل الحديث إلى إهمال الأسر بما فيها أسر الجاني والضحايا، أو إلى ضياع الوازع الديني من الجميع، وحتى الحديث عن آثار العادات والأزمات الاقتصادية والسياسية، أو القول إن جرائم التحرّش والاغتصاب تحدث كل يوم، ولن يغير منها أن تتم محاسبة هذه الحالة فقط، كما قال أحد أصدقاء المغتصِب في واقعة جديدة في تسجيل صوتي متداول.

استراتيجية ثالثة هي التماس التبرير للجاني، فهو يتميز بصفاتٍ جميلةٍ أخرى، وهو "جدع" مع أصدقائه، كما أن ما حدث كان تحت ضغط "هرموناته". والعجيب أن أتباع نظرية الرجل كحيوان ثائر دائماً لا يُسأل عما يفعل تحت ضغط رغباته، هم أنفسهم من لا يملّون من الحديث عن المرأة العاطفية، ناقصة العقل، التي تتقلب هرموناتها!

وفي السياق نفسه، شهدنا تبريرات شبيهة مذهلة لواقعة حديثة أخرى، هي للمصري الذي اتفق مع أحد عمّاله على اغتصاب زوجته، فوصل الأمر إلى قتلها، وذلك بغرض أن يضبطها مرتكبة للخيانة، فيمكنه طلاقها من دون دفع مستحقاتها. قالت تعليقات إن الزوجة الضحية ملومة، لأنه ما كان لها أن تنشغل بالدراسة وبطفلها حديث الولادة، أو ترفض شرع الله بالتعدّد.

استراتيجية رابعة هي التشكيك العام، تتم المطالبة بالصمت التام إلى حين انتهاء التحقيقات القضائية وبعضهم يتذكّر هنا تحديدا المطالبة بالتثبت الشرعي، "لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء". المشكلة أن هذا ليس مبدأ ثابتا بل تجد في صفحة الشخص نفسه قذفا وتحقيرا لفتيات بسبب ملابسهن، أو اتهامات لم تثبت قط.

وإذا تم تجاوز كل هذه الآليات، نصل فوراً إلى استراتيجية "لا ترسلوه إلى المقصلة"، كما كتب اللاعب محمد صلاح عن زميله عمرو وردة. نعم لقد أخطأ، لكن عقابه يجب أن يكون رحيما، يجب منحه "فرصة ثانية"، أو كما قال صديق المتهم الأخير في التسجيل الصوتي أنه حتى لو اغتصب صديقه الفتيات فعلا، فهذا لا يعني الضغط عليه بما يؤثر على حالته النفسية!

ومن المهم هنا أيضاً التأكيد أن كل هذه الصورة تختلف باختلاف المواقع الطبقية. ثمّة ترحيبٌ بسحق يد النيابة الثقيلة لفتيات "توك توك" اللاتي لا يمارسن أفعالا تختلف على الإطلاق عن فتيات الطبقات الأغنى اللاتي يظهرن في "انستغرام" على شواطئ مصر الراقية يرتدين علنا المايوهات، ويرقصن على الأغاني نفسها.

من دافعوا عن عمرو وردة، وعن طالب الجامعة الأميركية، وغيرهما، لم يكونوا ليتخذوا الموقف نفسه في قصة "التوربيني"، الفتى المشرّد الذي دين بوقائع اغتصاب قبل سنوات، مع أنه في حالته تحديدا سيكون من الأوقع طرح جبال من الأعذار السياسية والاقتصادية.

هذه كلها استراتيجيات للمحافظة على المكتسبات. ثمّة مكتسبات ذكورية، كسلطة الوصاية والامتلاك على النساء، فالنظرة إلى المرأة، أي امرأة، ليست ندّية متساوية كالصديق الذكر، بل هي لكائن أضعف في القوة والعقل، ولا يجب أن يملك كل السلطة على نفسه، بل عليه أن يحتمي ويطيع.

ومن جهة أخرى، هي مكتسبات طبقية، نحن فقط في الطبقات الأعلى من يمكننا ممارسة هذه الحريات وأنماط الحياة، بينما يجب أن تلزم الطبقات الأفقر حدودها. ونحن في الطبقات الأعلى لا نخضع لقوانينكم نفسها، إذا أمكن خروج الملياردير هشام طلعت مصطفى بعد سنوات قليلة من جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، فماذا يمنع من إفلات طالب الجامعة الأميركية ابن الأسرة النافذة.

ولكن في المقابل، تتغير الصورة ببطء، والوقائع التي كانت ستمر قبل سنوات قليلة لم يعد ممكنا أن تمرّ اليوم، مهما ثارت ثائرة المغتصبين وأصدقائهم.