شهدت أروقة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، اليوم الأحد، جلسة ساخنة، حضرها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لتقديم تقرير بشأن قضايا السياسة الخارجية والدبلوماسية الاقتصادية، إلا أنه أثناء كلمته تعرّض لهجمات وانتقادات شديدة من قبل مشرّعين محافظين، قاطعوا تصريحاته مرات عدّة.
وبعد انتهائه من الجزء الأول من كلمته وبدء الجزء الثاني، اعترض هؤلاء المشرعون على تصريحات ظريف وقاطعوها، إلى أن تدخّل رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، مرات عدّة، مطالباً النواب المحتجين بتأجيل تعليقاتهم إلى ما بعد خطاب وزير الخارجية، لكنهم استمروا في الاحتجاج، مطلقين هتافات: "أيها الكاذب" و"يكفي السيد ظريف" و"لا نرغب في سماع الأكاذيب"، بحسب ما نشرته وكالة "إيسنا" الإيرانية المحسوبة على الخط الإصلاحي.
وذهب هؤلاء النواب إلى أبعد من ذلك، ليهتفوا ضد ظريف بـ"الموت للكاذب"، واصفين إياه بـ"الحقير"، وسط نداءات من رئيس البرلمان بضرورة التزام النظم. من جهته، رد ظريف في تصريحات على هذه الاتهامات، مخاطباً إياهم بالقول: "أشكركم على حسن الضيافة".
واستشهد ظريف بتصريحات سابقة للمرشد الإيراني الأعلى على خامنئي للدفاع عن نفسه، في مواجهة الهجمات المحافظة "اللاذعة" في البرلمان، قائلاً "لقد وصفتموني بالحقير لكن القائد اعتبرني شجاعا. سميتموني بالكاذب لكن القائد قال إنني صادق. لكنني أشكركم على هذا التشدد والانتقاد".
وحاول ظريف استمالة النواب المحافظين من خلال تذكيرهم بالوضع الذي تعيشه إيران في الوقت الراهن، مضيفاً "عليكم أن تعلموا أننا جميعاً راكبون في سفينة واحدة، وأميركا والكيان الصهيوني لا يفرّقون بين من هم إصلاحيون أو محافظون أو ثوريون أو غير ثوريين، فهم يعادون الجغرافيا الإيرانية ووحدة الأراضي الإيرانية".
تراجعت قيمة الريال لأول مرة في تاريخه إلى أدنى مستوى، ليرتفع سعر صرف كل دولار أميركي إلى 21.5 ألف ريال
ودافع ظريف عن الدبلوماسية الاقتصادية للخارجية الإيرانية في ظروف العقوبات التي تواجهها إيران، مشيراً إلى أن "وفداً اقتصادياً يرافقني في جميع رحلاتي" الخارجية.
وأكد ظريف أن وزارته "ليست لديها مسؤولية مباشرة في الاقتصاد، لكننا حاولنا أن نقدم تسهيلات" بالعلاقات التجارية مع الدول الأخرى، معتبراً أن "إلغاء الدولار من المبادلات الاقتصادية مع بعض الدول من العوامل التي تقلل ضغوط العقوبات من خلال اتباع نظام المقايضة وحققنا نجاحات".
إلا أن كلمة وزير الخارجية الإيراني لم تقنع النواب المحافظين المحتجين، ليرد عليها النائب علي رضا سليمي، متسائلاً "السيد ظريف كنت قد قلت (سابقاً) إنكم تفاوضتم لتقليل الضغوط على معيشة المواطنين، لكن هل تعلم أن سعر صرف الدولار وصل إلى 210 آلاف ريال. هذه هي نتيجة مفاوضاتكم؟"، مضيفاً "هل تعلم أنت والسيد رئيس الجمهورية حسن روحاني إلى أين وصلت أسعار العقارات؟ هذا نتيجة أدائكم".
وفي كلمة له في بداية اجتماع البرلمان، اليوم الأحد، أشار رئيسه المحافظ محمد باقر قاليباف إلى أهمية الاقتصاد في الظروف الراهنة بالنظر إلى العقوبات والضغوط الاقتصادية الأميركية، داعياً إلى تحويل وزارة الخارجية إلى "وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الدولية"، معللاً ذلك بأن "الحرب التي نواجهها اليوم هي اقتصادية".
ودعا قاليباف الخارجية الإيرانية إلى العمل لإعادة الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج "في هذه الظروف الصعبة من ناحية العملات الصعبة".
استشهد ظريف بتصريحات سابقة للمرشد الإيراني الأعلى على خامنئي للدفاع عن نفسه
وتأتي جلسة البرلمان الإيراني للاستماع إلى تقرير الخارجية حول قضايا السياسة الخارجية ودور الوزارة في التجارة الخارجية، على وقع أزمة اقتصادية كبيرة بسبب العقوبات الأميركية عليها منذ نحو عامين، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي يوم الثامن من مايو/أيار 2018، فاقمها تفشي كورونا الجديد في البلاد منذ التاسع عشر من فبراير/شباط الماضي، ليكمل مفاعيل هذه العقوبات، ويجعل الواقع الاقتصادي أكثر صعوبة وانكماشاً من قبل.
إلى ذلك، بدأ الريال الإيراني يسجل يومياً هبوطاً قياسياً مستمراً، ليفقد أكثر من 400 في المائة من قيمتها منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، حيث تراجعت قيمة الريال، أمس السبت، لأول مرة في تاريخه إلى أدنى مستوى، ليرتفع سعر صرف كل دولار أميركي إلى 21.5 ألف ريال.
أهداف واشنطن
وفي جانب آخر من كلمته في البرلمان، قال وزير الخارجية الإيراني، إن "الجمهورية الإسلامية قوة صاعدة"، عازياً ذلك إلى "الحرب الشاملة التي تشنها عليها أميركا"، ومشيراً إلى أنها "تتابع أهدافاً عدّة من خلال شن هذه الحرب".
أما عن أهم هذه الأهداف خارجياً، فقال ظريف إنه يتمثل في "خلق تهديد أمني من إيران"، مشيراً إلى أن واشنطن في هذا السياق "تسعى إلى جرّ الملف الإيراني إلى أوساط لها فيها سلطة مثل مجلس الأمن".
وقال إن الهدف الثاني هو "خلق إجماع ضد إيران"، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية في هذا الإطار قامت منذ ديسمبر/كانون الأول 2017 بعقد أربعة اجتماعات لمجلس الأمن الدولي بغية ممارسة المزيد من الضغوط على بلاده. وأشار إلى مشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أحد هذه الاجتماعات، فضلاً عن مشاركة وزير خارجية مايك بومبيو في اجتماعين، آخرهما كان الأسبوع الماضي، بهدف تمرير مشروع قرار لتمديد حظر الأسلحة على إيران.
وعن الهدف الثالث، قال إنه يتمثل في "اختلاق روايات عن إيران في المنطقة"، داعياً العالم إلى معرفة حقيقة الأهداف الأميركية لعدم التورط فيها.
كما اعتبر وزير خارجية إيران أن أهم هدف تتابعه واشنطن في الداخل الإيراني، هو "فصل الشعب عن النظام وإظهاره فاشلاً وسلب المشروعية عنه"، داعياً إلى "الانسجام الداخلي، باعتباره أهم وسيلة في مواجهة أميركا".
وخاطب ظريف المشرّعين الإيرانيين بالقول إن "السياسة الخارجية ليست مجالاً للسجالات الفئوية"، معتبراً أنها "من صلاحيات المرشد" الإيراني"، داعياً إلى تركيز إيران في المنطقة "من خلال إنتاج الأمن والاستقرار وتطوير العلاقات مع الجيران".
وفي السياق، أشار إلى "تحسّن علاقات إيران مع دول جارة"، قائلاً "إننا اليوم لدينا أفضل علاقات مع تركيا وروسيا وأفغانستان وباكستان والعراق".
استدعاء روحاني
وعلى صعيد تصاعد المواجهة بين البرلمان الجديد والحكومة في إيران، يسعى مشرّعون إلى استدعاء روحاني إلى البرلمان لطرح أسئلة "اقتصادية" عليه.
وفي السياق، نقلت وكالة "فارس" الإيرانية، اليوم الأحد، عن النائب جبار كوجكي نجاد عن مدينة رشت شمالي إيران، أن عدد النواب الذين وقّعوا على مشروع طرح الأسئلة قد وصل إلى 200، مشيرة إلى أن المشروع قد سلّم لهيئة رئاسة البرلمان.
وتنص المادة الثامنة والثمانون من الدستور الإيراني على أنه "فـي حالة توجيه ربع نواب مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) – على الأقل – سؤالاً إلى رئيس الجمهورية، أو توجيه أي نائب سؤالاً إلى الوزير المسؤول، فإن على رئيس الجمهورية أو الوزير المسؤول الحضور فـي المجلس للإجابة على السؤال الموجه إليه".
وتؤكد المادة أنه "يجب ألا تتأخر الإجابة ـ فـي حالة رئيس الجمهورية ـ عن شهر واحد، وفـي حالة الوزير عن عشرة أيام، إلا أن يكون هناك عذر مقبول بتشخيص مجلس الشورى الإسلامي".
وبالنظر إلى سيطرة المحافظين المنافسين لحكومة روحاني والقوى الداعمة لها على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان الجديد، فيتوقع أن ينجح معدو الأسئلة في جمع التواقيع الكافية لاستدعاء روحاني إلى البرلمان، أي تواقيع 73 نائباً من أصل الـ290.
وترتكز الأسئلة الموجهة لروحاني على المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها إيران في الوقت الراهن، حيث عزا النائب المحافظ ناصر موسوي لارغاني، الذي أعدّ مشروع الأسئلة، لوكالة "فارس" الإيرانية، دوافعه في ذلك إلى "انفلات أوضاع سوق العقارات والسيارات والتضخم والارتفاع اليومي لأسعار الذهب ومشاكل سوق العملات الصعبة"، قائلاً إن هذه المشاكل "جعلتنا ندشن مشروع طرح الأسئلة على رئيس الجمهورية".