جزائريون ينتظرون سكناً لائقاً منذ 50 عاماً

28 ابريل 2016
المباني في معظمها تعود إلى عهد الاستقلال(فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
"انتظار طويل.. بل انتظار اللحظة الأخيرة وانتظار المجهول" هكذا يصف محمد (46 عاماً)، وهو أحد سكان حيّ ديار المحصول في منطقة المدنية في قلب الجزائر العاصمة، وضعهم في مباني الحيّ، لـ"العربي الجديد". هو الذي ما زال ينتظر الفرج مع كلّ صباح منذ زمن طويل.

محمد وغيره من سكان 92 مبنى في الحي القديم الذي بُني خلال فترة الاستعمار الفرنسي، ينتظرون قرار الترحيل كي يتسلموا مفاتيح شقق جديدة لائقة. يسمعون من البلدية بعض الأخبار عن ذلك: "لكنّها كالمسكّنات بالنسبة إلينا" بحسب محمد.

لم تشفع لسكان حي ديار المحصول إقامتهم على بعد أمتار من مقام الشهيد والمتحف الوطني للجيش والمتحف الوطني للمجاهد في قلب العاصمة الجزائرية. ولم تسعفهم احتجاجاتهم الأسبوعية أمام مقر البلدية، ولا قطع الطريق المؤدي إلى معلم مقام الشهيد. لم تتحرك السلطات المحلية للنظر في مطالبهم بالسكن، على الرغم من الوعود المتكررة بأنّ الترحيل سيلحق بمعظم سكان هذا الحي.

تقول الحاجة سكنية، لـ"العربي الجديد"، إنّ عمر معاناتها هنا يبلغ نصف قرن من الزمن. تزوجت هنا وأنجبت أولادها الخمسة في بيت مؤلف من غرفتين ومطبخ. لكن بمرور السنوات، كبر الأولاد وأصبحت "السطوح" مأواهم، وإلا لجؤوا إلى "حيلة" التناوب في النوم، فمنهم من ينام ليلاً ومنهم من ينام نهاراً.

تتجدد احتجاجات سكان حي ديار المحصول أمام مقر البلدية للمطالبة بالسكن. كذلك يتخذون كلّ الوسائل والسبل من أجل الضغط على المسؤولين للالتفات إلى وضعهم. كانت السلطات المحلية قد وعدت السكان بإحصائهم للتعرف إلى المتضررين من تشقق الجدران. وهو الأمر الذي خلف استياء لدى السكان الذين طالبوا السلطات المعنية بترحيلهم وليس إحصاءهم فقط وسماع وعودها الشفوية. يصف سكان ديار المحصول، لـ"العربي الجديد"، حياتهم في هذه المباني القديمة بالحياة في "القفص التي لا تصلح للبشر، بل للحيوانات".

تعيش اليوم أكثر من 900 أسرة في هذه المساكن التي يتألف الواحد منها من غرفة أو غرفتين. ومنذ عهد الاستقلال قبل 50 عاماً، ذاقوا الأمرّين بسبب ضيق مساحة المساكن، والروائح الكريهة المنتشرة بسبب استخدام المراحيض كأماكن للمبيت في كثير من الأحيان.


من جهتها، أحصت مصالح بلدية سيدي محمد 1500 عائلة من المفترض استفادتها من السكن بحسب وعودها. لكن، مع توالي الوعود، ضاق السكان ذرعاً بوضعهم طوال هذه العقود، خصوصاً بالنسبة إلى تلك العائلات التي تعيش في سكن مؤلف من غرفة واحدة فقط. فيها، يتحول المطبخ وكلّ مساحة شاغرة إلى مكان للنوم. أكثر من ذلك، اتخذ بعض الشباب السطوح مأوى لهم، خصوصاً في فصل الصيف، حيث يضعون أسقفاً من الصفيح، فيما احتل آخرون أقبية المباني.

الأكثر أهمية بالنسبة إلى هؤلاء المحتجين الاستجابة لمطلبهم الوحيد، وهو الحصول على "بيت لائق"، خصوصاً مع سماعهم أنّ هناك كوتا (حصة) جديدة لتوزيع المساكن، وتخوفهم من التلاعب بالقوائم. وهو ما حصل في مناسبات عدّة، خصوصاً لسكان حيّ ديار الشمس في العاصمة، بحسب ما يقول أحد سكان ديار المحصول.

ويعيش شباب الحيّ حالة من التذمر واليأس. الأوضاع سيئة جداً بالنسبة إلى كثيرين منهم. الشقق الضيقة تخنقهم مع أهلهم والمساحات الفارغة اختفت تماماً في المباني على امتداد الحيّ.
بعبارات الحزن، يؤكد كثيرون لـ"العربي الجديد"، أنهم يفضلون العمل ليلاً حتى لا يجدوا حرجاً في النوم مع أسرهم في غرف ضيقة لا تتسع لهم. يقول سيد علي (51 عاماً) الذي يقطن في ما يشبه الشقة في أحد مباني ديار المحصول، إنّ أزمة السكن جعلته يعزف عن الزواج نهائياً. يشير إلى أنّه طرق كلّ الأبواب وقدم العديد من طلبات الإسكان. لكنّه حتى اليوم لم يتلق رداً إيجابياً. يدعو عبر "العربي الجديد"، السلطات المحلية في البلدية خصوصاً، أن تلتفت إلى أمثاله ممن فاتهم "قطار الزواج".

مع اقتراب فصل الصيف، يصبح العيش في مباني ديار المحصول أشبه بالجحيم. يضطر كثيرون إلى افتراش الأرض في ساحة المباني الرئيسية التي تحولت إلى ما يشبه المخيمات. وبينما ينام آخرون على سطوح المباني، لا يجد غيرهم أفضل من مواقف السيارات للمبيت.

من جهتها، تقول امرأة تسكن في المكان لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتجاجات مشروعة، فعشرات العائلات يئست من وضعها الحالي بسبب المشاكل التي تنجم عنه على مستوى السكان ككلّ. وتشير إلى أنّ "كثيرين من شباب الحي باتوا مدمني مخدرات وخمر، هرباً من واقعهم المزري".