ترتفع نسبة زواج القاصرات في مصر، وتشارك في هذه "الجريمة" مجموعة من الأشخاص بدءاً من الأهل مروراً بالأئمة وصولاً إلى المحامين، ما يؤدي إلى نتائج خطيرة في المجتمع.
أثارت التحقيقات التي باشرتها نيابة الشرقية (شمال القاهرة) مع الطفلة التي لم تتجاوز 15 عاماً من عمرها، والتي هربت من زوجها الذي يكبرها بـ 30 عاماً والمتزوج من أخرى بسبب التعذيب وسوء المعاملة، صدمة جديدة في المجتمع المصري. وأكدت الفتاة أنّ والدها "من ذوي الاحتياجات الخاصة"، ويقيم في محافظة البحيرة، وقد قيّدها بالحبال بمساعدة شقيقه لإجبارها على الزواج، وأمرت النيابة العامة بحبس الأب والعم والزوج، ونقلت الطفلة إلى أحد دور الرعاية الاجتماعية. واعترف الأب بأنه زوّج ابنته في هذه السن كونه يريد الستر عليها، وقد جرى الزواج بالإشهار، وحضر عدد كبير من الأهالي حفل الزفاف. وتم الاتفاق على جعل الزواج رسمياً بمجرد بلوغها سن الـ 18 عاماً. يتابع قائلاً: "أنا رجل لست على دراية بالتعليم".
تبيّن دراسة أعدّها المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية مصرية) أنّ عدد زواج الفتيات الذي تم دون السن القانونية (18 عاماً) بلغ أكثر من 200 ألف حالة خلال العام الماضي، و64 في المائة من زواج القاصرات انتهى بالفشل، و26 ألف طفل يعانون من التفكك الأسري نتيجة طلاق الوالدين. كذلك وصل عدد الدعاوى القضائية لإثبات الزواج إلى 14 ألف حالة، معظمهم أثرياء عرب أنجبوا أطفالاً من تلك الزيجات. كما أن نسبة إقدام الفتيات القاصرات على محاولة الانتحار خلال السنوات الثلاث الأخيرة زادت بنسبة كبيرة. وتكشفت الدراسة عن أن هناك بلاغات ينتظرها القضاء والنيابة العامة، بسبب المطالبة بإيصالات الأمانة التي وقّع عليها الزوج في مقابل الزواج من الفتاة، يتولى صياغتها عدد من المحامين المتخصصين في تلك الزيجات، خصوصاً في القرى والأرياف. ويتم التوقيع على إيصال أمانة كحق للفتاة في حال الانفصال قبل عقد الزواج الرسمي بعد سن الـ 18.
ويتهم عدد من الأئمة المئات من المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والزوايا بإجراء "السنة"، أي الصيغة الشرعية للزواج، لعدد من الفتيات القاصرات داخل تلك المساجد، خاصة في المناطق الريفية والمدن، كنوع من "إشهار الزواج"، أحد أركان إعلان الزواج. ويؤكد أحد أئمة المساجد ويدعى الشيخ محمود أن ما يحدث داخل المسجد من إجراء سنة إتمام الزواج هو "جريمة"، موضحاً أن بعض الأئمة لا يجرؤ على عدم فتح المساجد لتلك الحالات الهزلية، خصوصاً في المناطق الريفية خشية أو يؤدي الرفض إلى شجارات وحالات عنف. ولا يمكن الإبلاغ عنها، موضحاً أن ما يمكن التحقيق فيه أو الإبلاغ عنه عن زواج قاصرات في المساجد لا يتعدى الـ 10 في المائة فقط.
ينتشر في مصر زواج القاصرات تحت مسميات عدة، منها "السترة" أو الخوف من "العنوسة". ويتولى أحد المشايخ أو علماء الدين تطبيق "السنة" على الفتاة القاصر، وإعلان ذلك عبر "مكبرات الصوت"، على أن يتم تعديل وثيقة الزواج لاحقاً بعد إكمال الزوجين أو أحدهما السن القانونية للزواج، إذ تُجرّم مصر زواج الأطفال أو القصر وتعدّه غير رسمي دون سن البلوغ، أي 18 عاماً.
يكشف الحقوقي فتحي عبد العزيز أنّ زواج القاصرات، على الرغم من أن القوانين موجودة في كافة المحافظات المصرية، يتم تحت مبرر "السترة". وهناك زيجات تتمّ تحت ضغط الأسرة، والنتيجة "خراب بيوت"، أي انفصال وتشريد الأطفال وضياع حقوق الزوجة، خصوصاً للمتزوجات من عرب. ثم، هناك إجراءات قضائية معقدة، منها نسب الطفل إلى والد الزوجة بعد صعوبة نسب الطفل لأبيه الأصلي نتيجة هروبه. وتحصل الفتاة في النهاية، وعلى الرغم من صغر سنها، على "لقب مدام"، متهماً الأب أو ولي أمرها بأنه المتسبب الأول في زواجها قبل السن القانونية، وهو ما يطلق عليه "اغتصاب" كما حدث مع "طفلة البحيرة" التي تحقق الأجهزة القضائية في قضيتها.
ويوضح الحقوقي المصري أن بلاده تحتلّ المرتبة الأولى عربياً في زواج القاصرات نتيجة انتشار الفقر والبطالة اللذين يدفعان الأهالي إلى تزويج بناتهم في عمر صغير، خصوصاً لعدد من العرب ورجال الأعمال، وعدد من الشخصيات الميسورة داخل البلاد في مقابل مادي بسيط، وكأنها "تجارة رقيق". يضيف أن زواج القاصرات يملأ أروقة المحاكم المصرية على مستوى المحافظات بقصص مؤلمة، وبالتالي نحن أمام جريمة مكتملة الأركان، يجب أن يحاكم فيها كل من شارك فيها، بدءاً من رب الأسرة، مروراً بالأشخاص الذين يطبقون السنة الشرعية والشهود والمحامين الذين يكتبون العقود ويوصلون الأمانة، والمسجد الذي تمت فيه الواقعة، وتقديمهم إلى المحاكمة العاجلة بتهم استغلال الفتيات وتدمير مستقبلهن، خصوصاً أن الظاهرة منتشرة وتؤدي إلى نتائج وخيمة على المجتمع ككل، وليس على من يتزوجون في هذه السن فقط.