22 سبتمبر 2015
جريمة الفكر
محمد زكريا (مصر)
تنبأ الكاتب البريطاني، جورج أورويل، في رائعته رواية 1984، بمصير العالم الذي ستحكمه قوى وأحزاب سلطوية تمارس سطوتها على الشعوب، لتقضي على مشاعرهم وأحلامهم وطموحاتهم، بل وتقضي على آدميتهم وإنسانيتهم. منعت تلك الرواية من المكتبات في عدد من الدول، واعتبرتها نظم ديكتاتورية كثيرة فاضحة لهم، وأنها خطر سياسي، حتى وصل الحال إلى أن اعتقل طالب من أمام إحدى الجامعات المصرية، لحيازته تلك الرواية، ما يستدعيك إلى قراءتها أكثر من مرة. وفي كل مرة، تجد أموراً ومصطلحات تستوقفك، في مقدمتها جريمة الفكر التي تحدثت عنها الرواية، كأشد الجرائم خطورة عند النظم الديكتاتورية، فقد اختصت شرطة الفكر، من خلال أجهزتها وأفرادها ومتطوعين كثيرين متبرعين بعقولهم لخدمة الحزب، بمراقبة كل من تسول له نفسه أن يفكر في ما هو مخالف لما يراه الأخ الأكبر أو الحاكم، حتى وصل الأمر بالمواطن إلى أن يرتعد خوفاً من أن يعرف أحد أنه يقتنى مفكرة، يكتب فيها خواطره ومذكراته، أو أن ترصده الكاميرات التي تملأ كل مكان، حتى وصل الخوف من النوم، في بعض الأحيان، فلا ينطق فمه بكلمة مناهضة لنظام الأخ الأكبر في صورة هلاوس.
ما تنبأ به جورج أورويل، منذ أكثر من خمسين عاماً، هو ما يمزق ضلوعنا اليوم، وهو نفسه ما يمسك بأعناقنا ويكتم أنفاسنا، فقد قضي على كل كلمة حرة، ونفى قائلها، وقيد مؤيدها، وقتل داعمها، حتى صدقت المقولة إن جريمة الفكر لا تفضي إلى الموت، بل هي الموت نفسه.