هل تعلم أنّ الأطباء المتخصصين في الأمراض الجرثومية ما زالوا عاجزين عن التصدي لجرثومة "أكتينوبكتيريا" وهي الأخطر التي تهدّد المرضى ذوي المناعة الضعيفة والتي نجدها بكثرة في غرف العناية الفائقة؟
"أكتينوبكتيريا" أو شعاويات أو شعاعيات أو بكتيريا شبيهة بالفطر، هي مجموعة من الجراثيم إيجابية الغرام، وهي بحسب ما يوضح الطبيب المتخصص في الأمراض الجرثومية الدكتور جاك مخباط، "أخطر جرثومة تهدّد المرضى في المستشفيات اليوم. ونحن نعجز عن معالجتها، إذ هي تقاوم المضادات الحيوية". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "هذه الجرثومة تنتقل خلال العمليات الجراحية في حال حدوث التهابات معينة أو بواسطة الأنابيب التي تستخدم لفتح مجرى التنفّس. ونحن عاجزون عن القضاء عليها بالطريقة المناسبة، في حين تنتج عنها حالات مرضية كثيرة". ويشير إلى أنّ "الأسوأ هنا هو العلاج الطويل واحتمال عدم تمكّن المريض من تحمّل تكاليفه الباهظة".
أمّا الأكثر عرضة للخطر بحسب مخباط، فهم "الذين يعانون من مناعة ضعيفة وكذلك كبار السنّ، إذ إنّه كلّما امتدّت فترة استشفاء هؤلاء، تعرّضوا أكثر لأنواع مختلفة من الجراثيم". ويلفت إلى "حالات عدّة تحمل هذه الجراثيم الخطرة، وهي لمصابين من العراق نتيجة الحرب الدائرة هناك". ويتحدّث مخباط عن "بروتوكول طبي جديد اعتمدناه في تحصين المرضى الأكثر عرضة لالتقاط الجرثومة، لا سيما هؤلاء الذين يتهيأون للخضوع إلى عمليات جراحية كبرى من قبيل القلب المفتوح. وصرنا نزوّد هؤلاء بالمضادات الحيوية قبل دخول المستشفى للعلاج، من باب الوقاية، تفادياً لأيّ خطر صحي طارئ".
من جهته، يشدّد المتخصص في طب الطوارئ، الدكتور رشيد رحمه، على ضرورة إجراء أيّ مريض فحوصات طبية قبل دخوله إلى المستشفى. ويقول لـ "العربي الجديد: "نعالج عادة كلّ الأمراض الجرثومية في المستشفيات، إذ لا استحالة للقضاء عليها طالما يُسجَّل تجاوب مع المضادات الحيوية، باستثناء حالات الإصابة بجرثومة أكتينوبكتيريا التي تنتشر بكثرة في غرف العناية الفائقة". يضيف: "على الرغم من اكتشاف مضاد حيوي واحد للقضاء عليها، إلا أنّها وبكلّ أسف لم تعد تتجاوب أخيراً مع العلاج الطبي. بالتالي، ثمّة احتمالات للعدوى بها أكثر من غيرها من الجراثيم، خصوصاً في ظروف دقيقة كالعمليات الجراحية الطارئة". ويوضح: "لذلك وضعنا بروتوكولاً يقضي بعدم استقبال أيّ مريض إلا إذا خضع إلى فحوصات زرع دم للتأكّد من أنّه لا يحمل أي نوع من الجراثيم الخطرة إلى المستشفى. وهذا أمر يطبَّق أيضاً في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الأميركية بهدف حماية المرضى".
في السياق ذاته، يشدّد الطبيب المتخصص في الأمراض الجرثومية، الدكتور بيار أبي حنا، على "أهميّة النظافة". ويقول لـ "العربي الجديد": "طالما أنّ المريض موجود في المستشفى، طالما هو عرضة لالتقاط شتّى أنواع الجراثيم. من تلك الجراثيم ما يسهل علاجه، ومنها الخطرة كالزائفة الزنجارية (بسودوموناس) والإشريكية القولونية (إي كولاي). واليوم، الصعوبة الأكبر هي في التخلص بسهولة من أكتينوبكتيريا". يضيف: "بالتالي، لا يسعنا سوى تأكيد أهمية النظافة، من خلال غسل الأيدي سواء من العاملين الصحيين أو المرضى".
إلى ذلك، يتحدّث نقيب المستشفيات الخاصة، الدكتور سليمان هارون، عن "أهميّة البروتوكول المتّبع في المستشفيات لحماية العاملين الصحيين والمرضى من خطر الجراثيم و تداعياتها". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "أبرز ما نركّز عليه اليوم هو ضرورة غسل الأيدي وتطهيرها وعزل المرضى، خصوصاً الذين يعانون من مناعة ضعيفة وكبار السن. فنسبة الوفيات بين هؤلاء بسبب أكتينوبكتيريا تصل إلى 50 في المائة". يضيف: "فنشدّد على أهميّة عزل المريض ووضع القفازات والكمامات قبل الاقتراب منه، تفادياً لأي عدوى". ويلفت إلى أنّ "أكثر حالات العدوى نشهدها في مستشفيات كبرى تستقبل أعداداً كبيرة من المرضى يعانون من مختلف الحالات الصحية".
ويشير هارون إلى أنّ "لبنان ما زال في إطار المعدلات العالمية لجهة التقاط الجراثيم في المستشفيات، مع نسبة تصل إلى 15 في المائة. من هنا، قرّرت المستشفيات اتخاذ إجراءات وقائية، وأعددنا دورات تدريبة للعاملين الصحيين". يتابع إنّه يُطلب من زائري المريض "تجنّب التقبيل والتنقّل بين غرف المرضى. كذلك، يستحسن عدم إحضار الأزهار إلى المستشفى، إذ تنقل الجراثيم. وفي حين تعمد المستشفيات إلى وضع عبوات سوائل خاصة لتطهير الأيدي في الأروقة وأمام غرف جميع المرضى حتى يستخدمها الزائرون وأهلهم، تمنع الزيارات عن المرضى المصابين بجراثيم معدية". من جهة أخرى، يوضح أنّ "كل عامل صحي جديد في المستشفى، لا بدّ من أن يخضع إلى دورة تدريبية لتعلّم كيفية غسل الأيدي بالطرق الصحيحة، وكيفية التعامل مع المرضى، خصوصاً في حالات النزيف أو غيرها من الحالات الطارئة".