تتكرر الجرائم التي يذهب ضحيتها أفراد عدّة من أسرة واحدة في مصر، الأمر الذي يدعو إلى التوقّف عنده. ويعيد معنيّون ذلك إلى أسباب عدّة منها التفكك الأسري والأوضاع المعيشية المتدهورة
أعاد إقدام عامل مصري بالقاهرة على قتل أطفاله الثلاثة أخيراً إثارة موضوع الجرائم الأسرية في البلاد. وتلك الجرائم راحت تتصدّر أخيراً عناوين الأخبار في صفحات الحوادث، لا سيّما أنّ الجاني هو عادة أحد الزوجَين أو الوالدَين والضحايا هم الأطفال في الغالب.
تفيد محاضر الشرطة المصرية والتقارير الأمنية، بأنّ أكثر من 140 جريمة أسرية وقعت بمصر في خلال الأشهر الأخيرة، وهو أمر وصفه مسؤول أمني بأنّه "أمر خطير". أضاف المسؤول نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ"العربي الجديد" أنّ تلك الجرائم تزداد في القاهرة وفي محافظات الوجه البحري، أمّا في الصعيد فهي تقتصر على القضايا المرتبطة بـ"الشرف" فقط، من قبيل شاب يقتل شقيقته أو رجل زوجته لشكّهما في سلوكَهما. ويؤكد أنّ "الجرائم الأسرية صارت همّاً يومياً ومحاضرها روتيناً في أقسام الشرطة. أمّا المسؤولية الكبرى فتقع على ضباط المباحث الجنائية الذين تقتضي مهمّتهم الكشف عن الجناة".
وكانت جرائم ثلاث قد هزّت الرأي العام في مصر أخيراً، من بينها شاب ذبح عروسه بعد 10 أيام من زواجهما في محافظة المنوفية (شمال)، أمّا الحجّة فهي أنّها عايرته بـ"عدم رجوليته". وفي المنوفية كذلك، تسبّبت والدة في وفاة بناتها الثلاث (أربعة أعوام وخمسة وسبعة) عن طريق الخطأ، بعدما وضعت السمّ على شرائح من اللحم المصنّع للتخلّص من الفئران في المنزل. وفي منطقة المرج بالقاهرة، أنهى عامل حياة أطفاله الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين عامَين و10 أعوام، في حين أنّه تسبّب في فقدان والدتهم بصرها. يُذكر أنّ الوالدة هي زوجة الرجل الثانية، وقد ساعدته زوجته الأولى على ارتكاب جريمته.
ومن الجرائم التي هزّت الرأي العام في مصر في خلال العام الجاري، إقدام امرأة في منطقة دار السلام بالقاهرة على قتل حفيدها (خمسة أعوام) بسبب التبوّل والبكاء المستمر، إلى جانب إقدام شابَين في منطقة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة (شمال) على قتل والدهما عبر إطلاق النار عليه بعدما كان قد اعتدى جنسياً على أختهما. وفي الجيزة كذلك، أقدم عامل على قتل زوجته بسبب خلافات أسرية، في حين قتل آخر شقيقة زوجته وحاول قتل ابنته بسبب خلافات أسرية. وفي مدينة طنطا بمحافظة الغربية (شمال)، كشف شاب خيانة زوجته من خلال دردشة جنسية على هاتفها المحمول، فقتلها بواسطة حبّة دواء قاتل كان أقنعها بتناولها للتخلص من وزنها الزائد.
وتلك الجرائم دعت خبراء علم الاجتماع وعلم النفس ورجال الدين والعاملين في المجال القضائي والأمني، إلى التوقّف عندها. يقول الخبير الأمني، اللواء محمد يوسف، إنّ "العنف في الأسر المصرية في تزايد مستمر، وصار ينتهي بالقتل. وهذا مؤشّر خطير لانهيار الأسر". ويعيد ذلك إلى أسباب عدّة، منها "الانفلات الأخلاقي، وانتشار المخدّرات، والتحوّلات الاقتصادية وما صاحبها من تغيّرات اجتماعية مسّت بالقيم الاجتماعية الأصيلة". ويتحدّث يوسف كذلك عن "غياب الحوار داخل الأسر، والأعمال الدرامية التي تحضّ على العنف"، من دون أن ينسى "جرائم العرض والشرف بدافع الغيرة وغسل العار مثلما يحدث في محافظات الصعيد".
من جهتها، تصف أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر، "الجرائم الأسرية بالخطرة"، وتعيد بعضها إلى "الخيانة الزوجية وإلى البطالة التي تؤثّر نفسياً على الشباب وتدفعهم إلى تعاطي المخدّرات وبالتالي القيام بأعمال إجرامية". وتطالب بـ"ضرورة العودة إلى القيم، ومنها الدينية، مع اللجوء إلى التوعية في المدارس والجامعات حول أهمية الترابط الأسري". وتشير خضر إلى أنّ "الكثافة السكانية وتحوّل المدارس إلى بؤر للعنف والاستخدام السلبي للتكنولوجيا، كلها عوامل أدّت إلى زيادة نسبة الجرائم"، مضيفة أنّ "الغيرة بين الأزواج من العوامل التي قد تؤدّي إلى جرائم أسرية، وكذلك الغلاء".
يربط الحقوقي المصري فتحي عبد العزيز الجرائم الأسرية بالفقر، على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، مشيراً كذلك إلى "التوسّع في الاستخدام غير الرشيد للتكنولوجيا والصراع على الميراث". ويشرح أنّ "ربّ الأسرة في بعض الأحيان، يشعر بأنّه غير قادر على تلبية متطلباتها من مسكن وغذاء وملبس وحياة كريمة، فيرتكب جريمة في حق أفرادها". ويوافق عبد العزيز على "ربط الجرائم الأسرية بالفقر"، متحدّثاً كذلك عن "التوسّع في الاستخدام غير الرشيد للتكنولوجيا والصراع على الميراث والأوضاع الاقتصادية المعيشية". ويشرح أنّ "ربّ الأسرة في بعض الأحيان، يشعر بأنّه غير قادر على تلبية متطلباتها من مسكن وغذاء وملبس وحياة كريمة، فيرتكب جريمة في حق أفرادها".
في السياق، يقول الشيخ جمال قطب، وهو من علماء الأزهر، إنّ "غياب التربية الدينية وضياع القيم وتأزّم الأخلاق، هي وراء انتشار الجرائم الأسرية"، موضحاً أنّ "مفهوم الأسرة في الإسلام قائم على السكينة والمودّة"، ولافتاً إلى "انشغال الأسر في مشكلات الحياة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية". ويشدد قطب على "أهمية التنشئة الدينية، فالدين الإسلامي حثّ على الصلاح وحسن الخلق مع مراعاة مبدأ الكفاءة بين الزوجَين، بمعنى التقارب في كل من المستوى المادي والاجتماعي والثقافي والعمري". ويقول إنّ "الشريعة الإسلامية اهتمّت ببناء الإنسان، حتى تقوم الأسرة على أسس ثابتة وقوية تضمن الاستمرار والاستقرار"، مشيراً إلى أنّه "صرنا نرى الوالد يرتكب جريمة في حق أبنائه، وهذا أمر يتنافى مع المودّة والرحمة الواجب توفرهما بين أفراد الأسرة".