جدّتي الصغيرة التي تخجل من أنثوتها

25 نوفمبر 2014
كانت الفتاة تصبح "سيدة" ما إن تتزوج (Getty)
+ الخط -
في زمن جدتي، كانت الفتاة تصبح "سيّدة" ما إن تتزوج. ويحدث هذا غالباً قبل سن العشرين، لتعود وتصبح جدة عجوزاً في سن الأربعين. لم تكن جدتي تضع مكياجاً. لم أر يوماً لوناً على وجهها. لا كحلاً على العينين ولا حمرة على الشفاه. حتى ثيابها كانت دائماً داكنة. هي غالباً في حداد على أحد الأقارب، أو في فترة "فك الحداد" لتعود إليه من جديد. في فترات الحداد، أذكرها دائماً في "تايور" أسود ومنديل أبيض شفاف ينسدل على كتفيها. أمّا في فترات "فكّ الحداد" فترتدي اللون البني أو الرمادي عوضاً عن الأسود الذي لا يتأخر بالعودة، لأنّ جدتي، كأغلب نساء جيلها وزمنها، "صاحبة واجب".

الحاجز الوحيد الذي وضعته جدتي في مواجهة العمر، هو عدم سماحها للشيب بغزو شعرها الذي كانت تصبغه بالحنة السوداء المخلوطة بزيت الزيتون وماء الشاي الفاتر.
دورها في الحياة واضح ولا مجال لأي التباس. هي أم ومن ثم جدة. تقضي وقتها في تنظيف البيت والاهتمام بالأبناء والأحفاد وتحضير الأطعمة المجهدة، كالمحاشي على أنواعها و"الفوارغ" و"الكبّة" وأطباق شبه منقرضة مثل البيصارة و"الكبة حيلة بسماق" وغيرها.
كان خروجها من المنزل نادراً، ويقتصر على زيارات عائلية تسميها "واجبات". لذا كانت دائماً حاضرة ومنتظرة في منزلها. كما يمكن زيارتها من دون موعد مسبق. لم يكن تقدم العمر الظاهر نتيجة لإهمال مظهرها، فهي كانت بالتأكيد امرأة أنيقة، لكن أناقتها كانت من النوع "الكلاسيكي" ومن دون أي محاولة إغواء أنثوية، وكأنها تخجل من أن تبدو امرأة.
اليوم، غالبية النساء الأربعينيّات والخمسينيّات ما زلن "صبايا"، ومعظمهنّ يعملن وينشطن في الحيّز العام.

لا تختار المرأة اليوم ثيابها على أساس العمر. لم يعد غريباً اليوم رؤية امرأة أربعينيّة ترتدي ثياباً تقرّبها بالشكل من المراهقات، كالجينز مثلاً. هي تعمل، تمارس الرياضة، تقود السيارة وتخرج من منزلها بهدف اللهو والتمتع بالحياة وليس للقيام بالواجبات دائماً.
لم يعد دور المرأة محدداً وواضحاً كدور جدتي. فالجدة اليوم قد تكون امرأة عاملة لم تبلغ سن التقاعد بعد. وعلى أبنائها أن يلجأوا إلى دور الحضانة للاهتمام بأطفالهم، لا إليها، لأنها امرأة مشغولة تتطلب زيارتها موعداً مسبقاً.

مع تعدد الأدوار هذا، لم يعد حتمياً على المرأة أن تكون أماً ثم جدة. تنوّعت خياراتها نتيجة لتطور حرياتها واستقلاليتها المادية والمهنية والاجتماعية. فهي تستطيع اتخاذ قرار في أن تكون مطلقّة أو عازبة من دون أن تكون "عانساً". تستطيع المرأة اليوم، أن تظلّ "شابة" طالما أنّها بصحة جيدة ولم تقرر أن تستقيل من أنوثتها وحياتها. وقد لا تفعل ذلك، إلّا مع بلوغها السبعينيات أو الثمانينيات من عمرها، حين يبدأ الجسم بالتعطل.

جدتي بلغت الثمانين وهي بعد في الخمسين من عمرها، ولا أظن أنها فعلت ذلك راضية، لأنها ماتت قبل بلوغها الستين بعام واحد.
دلالات
المساهمون