جدية إثيوبية بمقاربة المقترح المصري لقضية سد النهضة

21 نوفمبر 2019
تواصل إثيوبيا العمل لاستكمال السد (الأناضول)
+ الخط -
كشفت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر دبلوماسية مصرية وأخرى في وزارة الموارد المائية والري، ومصدر إثيوبي ينتمي لتحالف "الجبهة الديمقراطية الشعبية" الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء آبي أحمد، أن أديس أبابا تدرس بجدية هذه المرة المقترح المصري الأخير الذي تم تقديمه خلال الاجتماع الأول من سلسلة الاجتماعات الحاسمة الأربعة المتفق على عقدها بين وزراء المياه في الدول الثلاث لدراسة الحلول الفنية المقترحة لأزمة ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وذلك بحضور ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، في القاهرة يومي 2 و3 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وقالت المصادر المصرية، لـ"العربي الجديد"، إن المقترح الذي تم تقديمه، والذي صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الري المصرية محمد السباعي لصحيفة مصرية بأنه يعتمد على حجم فيضان النيل الأزرق، سيترتب عليه تقريباً تخفيض كمية المياه الواصلة إلى مصر سنوياً إلى ما بين 35 و38 مليار متر مكعب من المياه، مما يعني تخلي مصر عن تمسكها القديم باتفاقيات النيل التي لم تكن إثيوبيا طرفاً فيها، فضلاً عن تخليها أيضاً عن مقترحها السابق بضمان تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب سنوياً. ولكن المقترح الجديد الذي يعتمد على هيدرولوجيا النيل الأزرق سيفتح الباب لاستفادة مصر ببواقي الفيضان، وذلك بعد استفادة إثيوبيا من المياه المطلوبة لملء الخزان الرئيسي للسد.

وأضافت المصادر أن المشكلة الرئيسية في هذا المقترح وفقاً للجانب الإثيوبي أنه سيتطلب عملاً مشتركاً على تقييم أثر الفيضان في فترات الرخاء والجفاف، وهو ما يصطدم برفض إثيوبي مبدئي لفكرة الإدارة المشتركة لعمل السد في فترة الملء والتشغيل الأولى.
وأوضحت المصادر أنه على الرغم من ذلك الرفض الإثيوبي، فإن المسؤولين المصريين متفائلون بأن أديس أبابا ستدرك أن موافقتها على هذا المقترح تعتبر بمثابة إنقاذ للموقف من خلال السبيل الوحيد الممكن لضمان عدم تفاقم الأزمة، والوصول إلى حل قابل للتنفيذ قبل منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، من دون الاضطرار لفكرة إدخال وساطة ملزمة، والتي لا تود إثيوبيا الوصول إليها، في ظل مؤشرات تؤكد ميل السودان تدريجياً إلى الموقف المصري المطالب بحسم حل للقضية من دون تعنّت، لا سيما بعد تدخّل الولايات المتحدة والبنك الدولي، ومرور السودان بمرحلة سياسية حساسة تتطلب تحسين علاقات الدولة بالكيانات الدولية الكبرى.

وذكرت المصادر أن هذا المقترح لا يحمل فقط رسالة مصرية بالحرص على التوصل إلى حل مناسب سريع، ولكنه أيضاً يعكس عدم رغبة مصر في افتعال مشاكل أو استفزاز الإثيوبيين، لأن مسألة قياس الفيضان والوقوف على تفاصيله ستتم بشكل كامل في الأراضي الإثيوبية، وليس كما كانت مصر تقترح سابقاً على الأراضي المصرية بالنسبة لقياس منسوب المياه في بحيرة ناصر. وتتمسك أديس أبابا بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي فهي تتشبث بأن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب، مقابل المقترح المصري الجديد الذي يعتمد على محددات في دولة المنبع.


وأشارت المصادر المصرية أيضاً إلى أن الأخذ بالمقترح المصري الجديد سوف يبعد النقاش تماماً عن فكرة "المدة القطعية لزمن الملء الأول للخزان"، موضحة أن الجانب السوداني يتوقع وفقاً للبيانات الفنية المتوفرة لديه عن حجم تدفق النيل الأزرق أن الملء وفقاً للمقترح المصري مع الحفاظ على معدلات المياه المطلوبة لتشغيل توربينات السد العالي، سوف يكون في متوسط 5 سنوات، لكن القاهرة لا ترغب في تصدير هذه المسألة على السطح، للتركيز على الآلية الجديدة وعدم استباقها ببيانات وتوقعات ربما تقف عائقاً أمام مناقشة المقترح.

أما المصدر الإثيوبي، فقال لـ"العربي الجديد" إن هناك تمهيداً إعلامياً وسياسياً في أوساط الحزب الحاكم لضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الاضطرار لتفعيل المادة العاشرة من إعلان المبادئ الموقّع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015، والتي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير أو تنفيذ الاتفاقية، ودياً، من خلال استدعاء طرف رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة للنظر فيها من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.
وأضاف المصدر أنه على الرغم من كون وزير الطاقة والري سيليشي بيكيلي من أشد المتحفظين على كل المقترحات المصرية والسودانية السابقة، إلا أنه دعا أخيراً إلى دراسة المقترح المصري بجدية، بالتوازي مع إصدار وزارته بيانات عديدة للإعلام المحلي تؤكد استمرار العمل بمعدلات إنجاز قياسية في سد النهضة، والرد على الشائعات المنتشرة في الشارع الإثيوبي عن تعطل المشروع وضغوط بعض الدول لصالح مصر، وهو ما لم يحدث بالفعل.

وبحسب المصدر الحزبي، فإن آخر الشائعات التي انتشرت هي أن إدارة السد قللت عدد التوربينات المسؤولة عن توليد الطاقة الكهربية، وهو ما استدعى تدخّل إدارة المشروع للتأكيد على زيادة كفاءة التوربينات المستخدمة حالياً، والتي يقل عددها بواقع 3 توربينات عن خطة التوليد السابقة، والتي تمد إثيوبيا بها شركة "جي أو هيدرو" الفرنسية، والتي طالبت مصر الحكومة الفرنسية بالضغط عليها لوقف التعاون مع أديس أبابا إلى حين التوصل لحل للقضية، من دون جدوى.

وفي هذا السياق صرح أمس الأول جيرما منغستو، رئيس مهندسي تفتيش سد السرج الذي اكتمل بناء لوح الوجه الخاص به هذا الشهر، أن أعماله اكتملت بنسبة 97 في المائة وسيتم انتهاء العمل به رسمياً هذا الشهر.
وسد السرج، وهو سد الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار سد النهضة الرئيسي، وللحفاظ على سلامة تدفق المياه، تم إنجاز العمل في جانب المجرى ليصبح السد قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام، وسيضم السد ثلاثة مجارٍ للمياه بما في ذلك مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بأكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سد السرج.

وكانت وزارة الري المصرية قد أعلنت بعد انتهاء الاجتماع الفني الثلاثي في أديس أبابا السبت الماضي أنه قد تم الاتفاق على عقد الاجتماع الفني الثاني في القاهرة يومي 2 و3 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأن الاجتماع الأول شهد تبادل المناقشات الفنية بين الوفود المشاركة بخصوص رؤية كل دوله فيما يخص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وناقش العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد وحالة إعادة الملء، بالإضافة إلى الآلية التنسيقية بين الدول الثلاث، وتم عرض وجهة نظر كل دولة في هذه العناصر، كما تحدثت السودان عن انفراجة، بينما لم تصدر إثيوبيا أي بيان عن الاجتماع.