جدل دستوري في تونس بسبب الأزمة الحكومية

16 يوليو 2020
ترقب للخطوات التي سيقدم عليها الرئيس قيس سعيد (الأناضول)
+ الخط -

تحوّل الصراع السياسي والحزبي بتونس إلى جدل دستوري بين خبراء القانون والمحللين بشأن مصير حكومة إلياس الفخفاخ، وكيفية تجاوز أزمة الحكم، بتداخل مسارات تغييره، وغموض مرحلة ما بعد الفخفاخ، في غياب محكمة دستورية لفض هذه النزاعات.

ولم تنه استقالة الفخفاخ، أمس، الصراع السياسي، بقدر ما أشعلت نيران الجدل القانوني بين خبراء القانون الدستوري، لتفتح أبواب التأويلات على مصراعيها.

وطرحت مسألة توازي مساري إبعاد الفخفاخ، إما بالاستقالة أو بسحب الثقة منه، خلافا بين أسبقية طرح لائحة اللوم وجدواها الدستورية، باعتباره أصبح رئيس حكومة مستقيلا.

وبرغم إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيد، قبوله استقالة الفخفاخ وشروعه في المشاورات، صرح رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان نور الدين البحيري، بأنهم سيواصلون جمع الإمضاءات لسحب الثقة من رئيس حكومة إلياس الفخفاخ رغم استقالته من منصبه.

وأضاف البحيري أنهم سيطالبون بعرض اللائحة على الجلسة العامة، مشيرا إلى أن "عدد الإمضاءات على هذه اللائحة تجاوز 110 نواب".

وخلافا لموقف كتلتي النهضة وائتلاف الكرامة، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشؤون البرلمانية، منى كريم الدريدي، أن "مسار لائحة اللوم قد توقّف، بتقديم رئيس الحكومة استقالته إلى رئيس الجمهورية".

رغم إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيد، قبوله استقالة الفخفاخ وشروعه في المشاورات، صرح رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان نور الدين البحيري، أنهم سيواصلون جمع الإمضاءات لسحب الثقة من رئيس حكومة إلياس الفخفاخ رغم استقالته من منصبه

وأضافت كريم أنّ "هناك خللا جوهريا كبيرا في العريضة التي أودعت في مكتب الضبط"، قائلة: "يجب تقديم مرشّح بديل مع لائحة سحب الثقة، لأن هذه ليست لائحة لوم عادية، بل هي لائحة لوم بنّاءة، قبل أن يتم التصويت على سحب الثقة، وحتى يتم منح الثقة للشخصية البديلة بـ109 أصوات في الوقت نفسه".

وأكدت كريم أن "أثر الاستقالة انطلق أمس، ورئيس الجمهورية قيس سعيد لديه مهلة 9 أيام لإجراء المشاورات وتقديم الشخصية الأقدر لرئاسة الحكومة، في المقابل فإن لائحة اللوم لم تنتج أي أثر قانوني".

ولا ينتهي الجدل الدستوري والقانوني عند كيفية إقالة الفخفاخ، بل يدور حول فترة تسييره أعمال الحكومة المستقيلة، حيث فوجئ المتابعون بإقالته لوزراء النهضة الستة مباشرة بعد إعلان استقالته.

وأدان المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، في تعليقه لـ"العربي الجديد"، ما أقدم عليه الفخفاخ، مشيرا إلى أنه "رد فعل متسرع لا يعكس سلوكيات رجل دولة، ولا وعيا بالمسؤولية الوطنية"، مشيرا إلى أنه "مدعو خلال فترة حكومة تصريف الأعمال إلى ألا يغرق المؤسسات والإدارات بالتعيينات ولا بالإقالات التعسفية".

في مقابل ذلك، قالت منى كريم لـ"العربي الجديد" إن "حكومة الفخفاخ ليست حكومة تصريف أعمال، فلا ينطبق هذا التوصيف إلا في البند 100 من الدستور، وبالتالي رئيس الحكومة المستقيل يحتفظ بكامل صلاحياته".

وأضافت كريم أنّ "إلياس الفخفاخ يمكنه من الناحية القانونية إقالة وزراء النهضة، ومن الناحية السياسية هذا ممكن أيضا، لأنّه لم يعد يستطيع العمل مع وزراء منتمين إلى حزب عبّر عن عدم ثقته في رئيس الحكومة، ويسعى لسحب الثقة منه، لأنّ هذا ينسف مبدأ التضامن الحكومي".

ولم تقف اختلافات رجال القانون والسياسة في استشرافهم لمستقبل أزمة الحكم عند تكليف رئيس حكومة جديد، بل تعدت ذلك، وفي حالات فشل البرلمان في منح الثقة للحكومة الجديدة في وقت استنفدت جميع الحلول الدستورية، برفض حكومة الحبيب الجملي أولا، ثم باستقالة حكومة الفخفاخ ثانيا، بما جعل الخبراء يحذرون من مغبة حل البرلمان.

وفي السياق، اعتبر أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، في تصريح صحافي، أنه في حالة التعارض والتصادم بين البندين 89 و77 من الدستور، سيكون على رئيس الجمهورية الحكم، وسترجح قراءته للدستور، وهو من يقرر حل البرلمان أو تكليف شخصية أخرى، بسبب غياب محكمة دستورية للفصل في هذا التعارض.

ولفت محفوظ إلى أن "الشخصية التي سيتم ترشيحها ستحظى بمهلة شهر للفوز بثقة البرلمان، وفي حال عدم حصولها على الثقة، بإمكان رئيس الجمهورية حل البرلمان، لكن حسب الفصل 77 لا يمكن حل البرلمان بعد نيل أول حكومة لثقة المجلس في مدة 6 أشهر".

في المقابل، اعتبرت كريم أن "ما يروج من كون رئيس الجمهورية لا يمكنه عزل الحكومة قبل 6 أشهر من عملها فغير صحيح البتّة"، مشيرة إلى أن "الدستور يحتمل غموضا في عدد من بنوده، فلا وجود لإجابات صريحة لهذه التساؤلات، وفي غياب المحكمة الدستورية، فإن لرئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان أو التوجه لتعيين شخصية أخرى، بحسب القياس والاجتهاد، باعتبار أن الدستور طرح هذين الإمكانيتين".

 

ولفتت كريم إلى أن “أسهل حلول تغيير الحكومة هي الاستقالة، لأنها ستقلص في آجال تولي رئيس حكومة جديد منصبه، وبها نتفادى سيناريو حل مجلس نواب الشعب واللجوء إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، إذا ما علل الرئيس قراءته لحل البرلمان بالأزمة التي لا يمكن تجاوزها".

وقالت كريم: "ننتظر كيف سيؤول رئيس الجمهورية الفراغ الموجود في البند 98 المتعلق بالوضعية التي ستنتج عن عدم حصول الشخصية الأقدر التي سيقترحها رئيس الجمهورية لثقة مجلس الشعب".

من جانبه، أكّد أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني أن "البند 98 من الدستور لا ينص على لجوء رئيس الجمهورية إلى حل البرلمان إذا لم يتم تشكيل الحكومة في غضون شهر أو عدم حصولها على ثقة مجلس نواب الشعب".

وقال اللغماني، في تدوينة على حسابه فيسبوك، إنّ "خيار الاستقالة على معنى البند 98 من الدستور سيطرح إشكالا إذا لم يتم  تشكيل الحكومة في أجل شهر أو عدم حصولها على ثقة مجلس نواب الشعب"، مشددا على أنه على "عكس البند 99 من الدستور، فإن البند 98 لا ينص على لجوء رئيس الدولة إلى حل البرلمان".