يثير الجدل المُرافق لمنح "الجوكر"، للأميركي تود فيليبس، جائزة "الأسد الذهبي"، في الدورة الـ76 (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول 2019) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، نقاشًا مثيرًا للاهتمام. ذلك أنّ غالبية النقّاد، المستائين من قرار لجنة لوكريسيا مارتِل، لم تفتها الإشادة بالفيلم، فالتحفّظ كان، بشكل مضمر، على نوعيته، وعلى الكلام الصريح عن خلفية مخرجه، مقارنة بمؤلّفين كبار تنافس معهم، كرومان بولانسكي وروي أندرسون وجيمس غراي.
استحضر الجميع الطموح الفنّي الضعيف، الذي طبع فيلموغرافيا فيليبس، خصوصًا الثلاثية الكوميدية "ذا هانغوفر"، التي حقّقت نجاحًا جماهيريًا باهرًا، من دون أيّ صدى نقدي يُذكر. كأنّ هؤلاء النقّاد يتبنّون عبارة تُستعمل للتندّر من جوائز "كانّ": "يُهدي المهرجان سعفته الذهبيّة لأعظم المخرجين عن أفلامهم الأكثر سوءًا".
السؤال المطروح هنا: لمن تمنح الجوائز؟ للأفلام أو لمخرجيها، أو لهما معًا؟ في الحالتين الأخيرتين، ألا يُعتبر هذا حيفًا يلحق بالمخرجين الذين يحضرون بأفلام مهمّة، ولا يجرّون وراءهم بالضرورة مسارًا فنيًا لامعًا؟ ما الفرق حينئذ بين الجائزة الكبرى للمهرجان، وجائزة التكريم، التي تُقدَّم لفنانين كبار عن مسارهم المهنيّ كلّه؟
لنتذكّر فوز الفرنسي موريس بيالا بـ"السعفة الذهبية"، في دورة عام 1987 لمهرجان "كانّ"، عن "تحت سماء الشيطان". الفيلم ليس أبدًا أفضل ما أخرجه بيالا. لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة المذكورة كانت برئاسة إيف مونتان. في المسابقة نفسها، هناك "العيون السوداء" لنيكيتا ميخالكوف، و"أجنحة الرغبة" لفيم فاندرز. صعد بيالا لاستلام السعفة، مع صفير الحاضرين، فأجابهم بقوله المشهور: "إنْ لم تكونوا تحبّوني، فأنا بدوري لا أحبكم".
وكيف ننسى منح المخرج الدنماركي، لارس فون ترير، الجائزة الأرفع لمهرجان "كانّ" نفسه عن عمله "راقصة الظّلام" (2000)، وسحبها من أكثر الأفلام أصالة: "أغنية من الطابق الثاني" للمخرج السويدي روي أندرسون.
ينبغي القول إنّ سجل "سوابق" رئيس "لا موسترا"، ألبيرتو باربيرا، يساهم في تأجيج الجدل. فالمراقبون لم ينسوا فتحه باب المسابقة الرسمية على مصراعيه أمام أفلام من إنتاج المنصّة الأميركية "نتفليكس"، وفوز أحدها، "روما" لألفونسو كوارون بـ"الأسد الذهبي"، في دورة العام الفائت، ما منح نتائج المهرجان صيتًا كبيرًا عندها، وغذّى الشكوك اليوم، خصوصًا بعد تتويج "جوكر"، حول استمرارية تأثير محتمل على اللجنة للدفع نحو منح الجائزة الأولى لفيلم ذي حمولة جماهيرية مهمّة، وفاءً لاستراتيجية تهدف إلى تعزيز إشعاع المهرجان.
لكنْ، من ناحية أخرى، أليس غريبًا أن "يمطّ" نقاد شفاههم حول فوز فيلم مقتبس من الـ"كوميكس"، بعد أن اشتكوا على امتداد عقدين من تربّع هذا النوع على صدارة المداخيل، وتحطيم كلّ أرقام شباك التذاكر، من دون أن يكون لها أيّ وقع على السينما، أو إسهام في المضيّ قدمًا بجمالياتها، ما عدا استثناءات قليلة، لعلّ أهمّها الثلاثية المعروفة: "سبايدرمان" (2002) لسام ريمي، و"باتمان: فارس الظلام" (2008) لكريستوفر نولان، و"واتشمان" (2009) لزاك سنايدر؟
مراقبون آخرون تحجّجوا ببساطة كلمة تود فيليبس، بعد تسلّمه الجائزة، إذْ اكتفى بشكر كلّ من عمل معه على الفيلم، على عكس المؤلّفين ممّن سبقوه، الذين كانوا لا يفوّتون فرصة الأضواء المسلّطة عليهم لجذب الانتباه إلى قضايا إنسانية، أو على الأقلّ، إلى قضايا مرتبطة بمهن السينما.
اقــرأ أيضاً
السؤال المطروح هنا: لمن تمنح الجوائز؟ للأفلام أو لمخرجيها، أو لهما معًا؟ في الحالتين الأخيرتين، ألا يُعتبر هذا حيفًا يلحق بالمخرجين الذين يحضرون بأفلام مهمّة، ولا يجرّون وراءهم بالضرورة مسارًا فنيًا لامعًا؟ ما الفرق حينئذ بين الجائزة الكبرى للمهرجان، وجائزة التكريم، التي تُقدَّم لفنانين كبار عن مسارهم المهنيّ كلّه؟
لنتذكّر فوز الفرنسي موريس بيالا بـ"السعفة الذهبية"، في دورة عام 1987 لمهرجان "كانّ"، عن "تحت سماء الشيطان". الفيلم ليس أبدًا أفضل ما أخرجه بيالا. لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة المذكورة كانت برئاسة إيف مونتان. في المسابقة نفسها، هناك "العيون السوداء" لنيكيتا ميخالكوف، و"أجنحة الرغبة" لفيم فاندرز. صعد بيالا لاستلام السعفة، مع صفير الحاضرين، فأجابهم بقوله المشهور: "إنْ لم تكونوا تحبّوني، فأنا بدوري لا أحبكم".
وكيف ننسى منح المخرج الدنماركي، لارس فون ترير، الجائزة الأرفع لمهرجان "كانّ" نفسه عن عمله "راقصة الظّلام" (2000)، وسحبها من أكثر الأفلام أصالة: "أغنية من الطابق الثاني" للمخرج السويدي روي أندرسون.
ينبغي القول إنّ سجل "سوابق" رئيس "لا موسترا"، ألبيرتو باربيرا، يساهم في تأجيج الجدل. فالمراقبون لم ينسوا فتحه باب المسابقة الرسمية على مصراعيه أمام أفلام من إنتاج المنصّة الأميركية "نتفليكس"، وفوز أحدها، "روما" لألفونسو كوارون بـ"الأسد الذهبي"، في دورة العام الفائت، ما منح نتائج المهرجان صيتًا كبيرًا عندها، وغذّى الشكوك اليوم، خصوصًا بعد تتويج "جوكر"، حول استمرارية تأثير محتمل على اللجنة للدفع نحو منح الجائزة الأولى لفيلم ذي حمولة جماهيرية مهمّة، وفاءً لاستراتيجية تهدف إلى تعزيز إشعاع المهرجان.
لكنْ، من ناحية أخرى، أليس غريبًا أن "يمطّ" نقاد شفاههم حول فوز فيلم مقتبس من الـ"كوميكس"، بعد أن اشتكوا على امتداد عقدين من تربّع هذا النوع على صدارة المداخيل، وتحطيم كلّ أرقام شباك التذاكر، من دون أن يكون لها أيّ وقع على السينما، أو إسهام في المضيّ قدمًا بجمالياتها، ما عدا استثناءات قليلة، لعلّ أهمّها الثلاثية المعروفة: "سبايدرمان" (2002) لسام ريمي، و"باتمان: فارس الظلام" (2008) لكريستوفر نولان، و"واتشمان" (2009) لزاك سنايدر؟
مراقبون آخرون تحجّجوا ببساطة كلمة تود فيليبس، بعد تسلّمه الجائزة، إذْ اكتفى بشكر كلّ من عمل معه على الفيلم، على عكس المؤلّفين ممّن سبقوه، الذين كانوا لا يفوّتون فرصة الأضواء المسلّطة عليهم لجذب الانتباه إلى قضايا إنسانية، أو على الأقلّ، إلى قضايا مرتبطة بمهن السينما.
يبدو النقاد هنا كمن يرتبك حين يتحقّق له ما كان يعتقد أنّها أكثر أمنياته بُعدًا عن الواقع، وإمعانًا في الخيال. في النهاية، فإنّ السينما في جوهرها ليست شيئًا سوى هذا: خيال يتحقّق أمام أعيننا بشكلٍ غير متوقّع.