وكانت وزارة التربية التونسية قد قررت الأسبوع الماضي إيقاف معلمة في إحدى مدارس مدينة حمام الأنف، التابعة لولاية بن عروس، قرب العاصمة تونس، عن العمل، بسبب رفضها نزع النقاب، كما قامت بإيقاف مسؤولة إدارية بالثانوية، بولاية جندوبة غرب تونس، عن مزاولة العمل، بسبب إصرارها على عدم التخلي عن النقاب أثناء العمل.
وقالت مصادر من وزارة التربية، لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة "قررت رسميا تفعيل قرار منع ارتداء النقاب داخل المؤسسات التعليمية"، مضيفا أن "قرار منع ارتداء النقاب هو قرار سابق لم يكن مفعلا بالجدية اللازمة رغم إصدار أكثر من مذكرة في شأنه".
وكانت السلطات التونسية قد اتخذت بداية العام الدراسي الحالي قرارات بمنع ارتداء الحجاب في المدارس للتلميذات أقل من 12 سنة، ومنع ارتداء النقاب في المدارس والمعاهد والجامعات. وشمل قرار منع ارتداء النقاب المعلمات وأستاذات الجامعات.
ويثار الجدل بين شيوخ الدين في تونس حول القضية، حيث قال رئيس المجلس الوطني للأئمة والخطباء، شهاب تليش، لـ"العربي الجديد": "إذا أخذنا الأمر من ناحية باب الحريات العامة والخاصة، فهو قرار مجانب للصواب والمسألة لا تتعلق بمسائل تعليمية بقدر تعلقها بأسباب أيديولوجية. وهذا ما نخشاه".
وأضاف تليش: "يجب أن يقوم حوار جدي بين الوزارة والأطراف المعنية، إن كان اللباس الشرعي المتمثل في النقاب يمثل حائلا اتصاليا بين الطلاب والأستاذات في تأدية واجبهن التعليمي، إذ إن تأكيد هذا يتوجب نقاشا جدّيا حتى لا نسقط في منعه من باب الأيديولوجيا".
في المقابل، قال الناطق الرسمي لنقابة الأئمة بتونس، فاضل عاشور: "نحن مع التوجه الحكومي لمنع النقاب، الذي لا يعتبر لباسا شرعيا، بل هو لباس خاص بقبيلة معينة في الجزيرة العربية، وهو لباس للبدويات وكان يعبر عن جانب طبقي أكثر من الجانب الشرعي، الذي يسعى العديد للترويج له في تونس".
وأضاف عاشور: "نؤيد تبرير الوزارة بأنه عائق اتصالي، ثم يجب على المدرسة المنقبة أن تراجع نفسها وتزيل من تفكيرها أن وجهها يثير الفتنة لأن من تدرسهم هم بمثابة أبنائها حتى وإن كانوا مراهقين، ويجب أن تتعامل معهم بحنان الأم وبإحاطة المربية الفاضلة".
وختم عاشور قائلا إن "من يروّجون لهذا اللباس يريدون خلق مجتمع موازٍ لا يمثل التونسيين".
اقرأ أيضاً:حجاب مضيفة طيران يثير جدلاً في تونس
أما وزير الشؤون الدينية، عثمان بطيخ، فقد سبق أن أكد أنه يجوز شرعا وقانونا منع النقاب في حال تحوله إلى خطر على المجتمع.
ودعا نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منع ارتداء النقاب في الشوارع والمؤسسات التونسية، محذرين من مخاطره على أمن البلاد، حيث شهدت ولاية مدنين أقصى الجنوب التونسي إلقاء القبض على إرهابي متخفٍّ بالنقاب؛ أراد التحصن بالفرار غير أن سائق تاكسي فطن له وأعلم السلطات.
ومن الجانب القانوني والسياسي، قال المقرر العام للدستور والعضو بمجلس الشعب عن حركة النهضة، الحبيب خضر، إنه "من حيث مبدأ الحقوق والحريات وعملا بالنص الدستوري، ولمبررات متصلة بالأمن العام، يمكن أن يكون هذا المنع محددا بقوانين ولفترة محدودة"، مفسرا لـ"العربي الجديد" أن "هذا المبدأ الدستوري من متطلباته التحديد بالقانون، وليس بنص أقل منه درجة، أي نص تشريعي وليس منشوراً من وزارة التربية بخصوص منع النقاب".
وأضاف: "من الجانب الأمني وما تعيشه تونس من ظرف خاص وتهديدات ارهابية، يمكن نظريا اعتباره مبررا لتقييد حرية اللباس، ولكن يجب أن يكون هذا التقييد منضبطا بمقتضيات الدستور المذكورة".
وحول منع النقاب لأسباب أيديولوجية، قال خضر إن "إقرار مثل هذه الإجراءات والآليات يجب أن تكون مقيدة بقانون".
ويشار إلى أن السلطات الرسمية، سمحت بعد الثورة التونسية، بارتداء الحجاب والنقاب أيضا وإطلاق اللحية للشبان؛ بعد سنوات من حظرهما خلال فترة حكم الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، حتى أن وزارة الداخلية التونسية أصدرت لأول مرة بطاقات هوية شخصية لنساء مرتديات الحجاب، بعد أن كانت تحجر عليهن ذلك خلال نظام بن علي، لأسباب تتعلق بمنع ما كان يسمى بـ"اللباس الطائفي".
بدورها لفتت سمية الغنوشي، ابنة الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، على حسابها في فيسبوك، تعليقا على منع النقاب بالمؤسسات التربوية، إلى أن "النقاب حرية شخصية، لمن شاءت ارتداءه الحق في ذلك، مثلما أن لكل شخص حرية اختيار اللباس الذي يناسبه. إلا أن هناك مهناً تقتضي الكشف عن الوجه ومن بينها التدريس والطب. لأن الطفل في مراحله الإدراكية الأولى، وحتى قبل اكتساب اللغة، يتعلم قراءة تعبيرات وجوه المحيطين به؛ بداية بأمه وأبيه، ثم المحيط الأوسع".
وأضافت أن "الوجه عنصر أساسي في العملية التعليمية، فالتعامل مع الطفل يقتضي التفاعل معه لا عن طريق الصوت فقط، بل من خلال قسمات الوجه بالابتسام لتشجيعه أو العبوس لتوبيخه. اشتراط عدم التنقب خلال التدريس ليس مسا بالحرية الشخصية، بل يدخل في ما يمكن تسميته بضبط الحقل التعليمي بما يخدم مصلحة الطفل وحاجياته".
وما زال الجدال حول القرار متواصلا في تونس، وربما تشهد الأيام القادمة صراعات بين المؤيدين والرافضين للقرار.
اقرأ أيضاً:تصاعد الجدل بشأن "النقاب" فى تونس