جدل الحكومة العراقية المقبلة: أغلبية سياسية أم توافقية؟

19 مارس 2018
كتلة نوري المالكي أبرز المطالبين بحكومة أغلبية سياسية (الأناضول)
+ الخط -
بعد عاصفة التحالفات الانتخابية بين الكتل السياسية في العراق واكتمال الاصطفافات داخل مفوضية الانتخابات، بدأ الجدل العراقي حيال شكل الحكومة الجديدة، هل ستكون توافقية كما كانت طيلة السنوات التي أعقبت احتلال العراق وتقوم على تمثيل سني وشيعي وكردي بشكل رئيس، أم يتم الذهاب نحو حكومة أغلبية سياسية، وهو ما تطالب به كتل سياسية داخل التحالف الوطني أبرزها "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، ويتحفظ عليها ضمنا آخرين، من بينهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.

وشهد الأسبوع الماضي تصريحات متبادلة بين العبادي وسلفه المالكي حيال شكل الحكومة، إذ قال العبادي في كلمة له خلال حضوره مؤتمرا أكاديميا في بغداد، إنه سيؤيّد الأغلبية السياسية "إذا تحقّقت فعلاً، لا على توافق طائفي ومذهبي"، موضحاً أنّه سيعارض حكومة الأغلبية السياسية "إذا كانت غايتها استبعاد الآخرين والاستئثار بالامتيازات والسلطة". ورد المالكي على تلك التصريحات بالقول إن مشروع الأغلبية السياسية الذي يتبناه ائتلاف "دولة القانون" سيكون "مشروعاً وطنياً يشترك فيه جميع أطياف الشعب العراقي"، مضيفاً في بيان نقتله محطات تلفزيون عراقية أنّ "علينا أن نحث الخطى للمشاركة في تصحيح مسار النظام السياسي وإنقاذه من نظام المحاصصة الذي ساهم في عرقلة مسيرة البناء والخدمات. لا استقرار ولا بناء ولا تنمية في ظل التحاصص والتوافق".

عملياً، فإن العملية السياسية العراقية منذ عام 2003 ورغم وجود نص دستوري (البند 76) يتحدّث عن أن تشكيل الحكومة يكون من قبل الكتلة الكبرى التي تتشكل داخل البرلمان، بمعنى الكتلة التي تفوز بأكبر عدد من المقاعد، إلا أنّ الحكومات السابقة كانت عبارة عن توافق، باستثناء منصب رئيس الوزراء، الذي يتم اختياره من قبل الكتلة الكبرى. لكن الوزراء وأعضاء الحكومة يكونون بالتوافق، بواقع نائب رئيس وزراء سني وآخر كردي، وسبعة وزراء من الأحزاب العربية الشيعية وستة للأحزاب العربية السنية وأربعة أكراد وحقيبة وزارية واحدة للمسيحيين ومثلها للتركمان ومثلها لباقي المكونات، والأمر ذاته ينطبق على مناصب وكلاء الوزراء ورؤساء الهيئات العامة والمستقلة مثل البنك المركزي وهيئة الإعلام وهيئة النزاهة وغيرها.

وفي هذا السياق، يقول حسين فاضل مقرّر مجلس الحكم السابق، وهو أول مجلس بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تأسّس على يد الحاكم المدني بول بريمر وضمّ أعضاء من المكونات العراقية كافة، إن "العملية السياسية في العراق قامت بالتوافق بمقترح أميركي وما زالت حتى الآن". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "هذا النظام لم يخلق معارضة حقيقية بالعراق، فكل من كان يشتم الحكومة من الأحزاب والكتل، كان لديه تمثيل فيها بما لا يقلّ عن وزيرين أو ثلاثة ومناصب أخرى. حتى أنّ روح أو معنى الانتخابات تلاشى بفعل ذلك، إذ بات الناس يسألون إذا كانت الأمور بالتوافق، وتكون بين السنة والشيعة والأكراد مناصفة، لماذا نذهب للانتخابات؟ وما معنى أن تجتهد أحزاب أخرى مدنية وغير مصنّفة على أي طائفة، ما دام في النهاية سيقتل حلمها بالمحاصصة والتوافق الطائفي"؟

ويتابع فاضل "مع الأسف، البعض بعد أن شاهد تصاعد شعبية المدنيين، قال لنعتبرهم طائفة رابعة أو مكوّناً منافساً جديداً في العراق، إلى جانب السنة والشيعة والأكراد، ويشاركون في الحكومة"، مضيفاً "الجميع يتمنّى أن تكون هناك حكومة حزب فائز في الانتخابات، لكن وضعنا العراقي مختلف، فالأحزاب معظمها طائفية فكراً وتصرّفاً، وهذا يمثّل خطراً كبيراً لا يحتاج الإنسان إلى الكثير لشرحه"، وفق تعبيره.

من جانبه، يقول الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الخالدي، إن حكومة الأغلبية السياسية "هو مطلب الشارع العراقي ككل، لكن المصيبة تكمن في الخوف من الالتفاف عليها. ويعزز هذا الخوف أنّ أبرز الداعين لها هم الأحزاب المقرّبة من إيران، مثل حزب الدعوة أو كتلة دولة القانون، وكتل وأحزاب أخرى مثل الفضيلة وبدر وصادقون، إضافة إلى فصائل الحشد الشعبي التي سمح لها بالمشاركة في الانتخابات المقبلة".

ويضيف الخالدي في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "تفسير هذه الأطراف لحكومة الأغلبية السياسية التي يصرّون عليها اليوم، هي بمعنى أوضح حكومة أغلبية شيعية أو أغلبية سنية، وتكوّن كتلة أكبر تشكّل الحكومة بلا مشاركة من المكونات الأخرى"، موضحاً أنّ "الأغلبية السياسية واجبة وصحية، في ما لو كان لدينا أحزاب مختلطة طائفياً أو فكرياً". وأشار إلى أنه "ما كان ليكون هناك خطر لو كانت الأحزاب السنية أو الشيعية الحالية غير طائفية، لكن الحقيقة غير ذلك، فهي أحزاب لا ترقى لمستوى الوطن، بل الطائفة، وحتى الطائفة باتت ثوباً كبيراً عليها بسبب تقسيمها الناس ضمن الطائفة الواحدة إلى مسميات مختلفة"، معرباً عن اعتقاده بأن "هذا السبب هو الذي يدفع برئيس الوزراء الحالي إلى رفضها. وعلى ما يبدو، هناك تفهمّ من أطراف أخرى بأن العراق لم يصل لدرجة التعافي من المرض، لكن يمكن طرح حكومة تكنوقراط بجهاز قضائي صارم وهيئة نزاهة حرة بلا ضغوط، لبدء عملية الإصلاح في السنوات الأربع المقبلة".


بدوره، يقول النائب في البرلمان العراقي عبد الكريم عبطان عن تحالف "القوى الوطنية" بزعامة إياد علاوي، لـ"العربي الجديد" إن "أحلام حكومة الأغلبية السياسية انتهت وقتلها من يدعو لها اليوم، في عام 2010، عندما فازت كتلة إياد علاوي بالانتخابات وتمت إزاحتها، بعدما تم تفسير المادة 76 من الدستور على أن الكتلة الكبرى هي التي تتكوّن داخل البرلمان لا التي تفوز بالانتخابات"، مضيفاً "لكن اليوم، عندما نفكّر في عملية الانتخابات المقبلة، أعتقد أن تشكيل الحكومة المقبلة سيكون أصعب من سابقاتها، باعتبار أنه لن تصل أي من الكتل المتنافسة إلى العدد الذي حققته في الانتخابات السابقة بسبب الظروف التي نعرفها. لذا لن يكون لأي كتلة قدرة على تشكيل حكومة أغلبية، ولا بدّ من الذهاب إلى قضية التحالفات والتوافق مرة أخرى".

إلى ذلك، يرى عضو البرلمان العراقي في بغداد، علي شكري أن "مطلب حكومة الأغلبية السياسية هو أقرب إلى الحالة المثالية من الواقع الذي يعيشه العراق اليوم". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "شئنا أم أبينا، هناك تكتّلات شيعيه وتكتلات سنية وتكتل كردي. وحتى وإن وجدت مخالطة في بعض التحالفات والكتل الآن، فهو باعتقادي تمثيل شخصي أكثر مما هو تمثيل مكوناتي أو سياسي واقعي". ويتابع "الحكومة لن تشكّل من خلال الكتل الرئيسية الفائزة بالانتخابات".

وفي السياق ذاته، يقول عضو التحالف الوطني الحاكم جاسم محمد جعفر لـ "العربي الجديد"، إن "العراق جرّب التوافق السياسي والمصالحة السياسية، وبصراحة كانت النتيجة غير مرضية للجميع، ولم تنفع العراق، والكل يتهم الحكومات السابقة بأنها لم تقدّم شيئاً للعراقيين"، مضيفاً "علينا أن نذهب إلى الأصل الموجود في جميع الدول الديمقراطية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهو نظام الأغلبية السياسية الذي يمثّل روح الانتخابات والديمقراطية، بمعنى أن هناك مجموعة تحكم وأخرى تعارض، ولكن بعد سنة 2003 لغاية يومنا هذا، درجنا على التوافق السياسي الذي لم يحقّق الهدف منه". ويلفت جعفر إلى أنه "الآن يشارك الجميع في الحكومة، فمتى ستكون هناك معارضة حتى يظهر الفساد"؟

ويختم بالقول "الأغلبية السياسية يجب أيضاً ألا تكون أغلبية طائفية، بل أغلبية عراقية من كل المكونات. فليس من المعقول أن تكون الحكومة من الشيعة فقط، أو من السنة فقط، بل يجب أن يكون هناك أربعة أو خمسة أحزاب، تمثل الشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيحيين ضمن تحالف يشكّل الأغلبية السياسية". ورداً على هذا الطرح، يقول عضو التيار المدني العراقي حسام العيسى متهكماً "هذه حكومة توافق بغطاء آخر"، في إشارة إلى وصف جعفر معنى حكومة أغلبية تضم مكونات العراقيين كافة.

المساهمون