جدال حول موالد الأولياء في الإسكندريّة

24 يونيو 2016
الليلة الختامية لمولد سيدي أبو الدرداء (العربي الجديد)
+ الخط -
الاحتفال بموالد الأولياء في الإسكندرية المصرية يثير الجدال، خصوصاً أنّ البعض يردّ نشاطها الأخير إلى أسباب سياسية

هذا العام أيضاً، يعود الجدال المرافق لموالد الأولياء والأضرحة التي تنظمها المشيخة الصوفية في الإسكندرية والتي تنتشر في مختلف مناطق المحافظة وتحظى باهتمام السلطات بها. بالنسبة إلى منتقديها، تُسجَّل في هذه الموالد التي تشهد زحاماً، "تجاوزات وأفعال لا علاقة لها بالدين أقرب إلى الدروشة".

في حين يصف بعضهم هذه الموالد بـ "الظاهرة الاجتماعية الدينية" التي تحتاج إلى تقنين ومراجعة بعدما تحوّلت إلى تجارة من القائمين عليها، يرى بعض آخر أنّ النظام المصري يستدعي الطرق الصوفية في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية وعدد من الحركات الإسلامية، عبر إبراز نموذج للإسلام المرضي عنه خلال الفترة المقبلة والبعيد عن السياسة.

تتميّز محافظة الإسكندرية بكثرة الأضرحة التي تنتشر في أرجائها، حتى أنّ مناطق وأحياء نشأت حول بعض هذه الأضرحة وسمّيت تيمناً بها، من قبيل "المرسي أبو العباس" و"سيدي بشر" و"سيدي جابر" و"القباري" و"العطارين" و"أبي الدرداء" و"الشاطبي" و"ياقوت العرش"، وغيرها كثير. ويعتقد أهالي الإسكندرية بمكانة هؤلاء الأولياء الرفيعة، على خلفيّة ما يُروى عنهم وعن مواقفهم وتقواهم وكراماتهم. فيتبرّكون بزيارة أضرحتهم في مواعيد منتظمة في كل عام، للاحتفال بذكرى مولدهم أو ذكرى وفاتهم.

غالباً ما يحتفل الصوفيون في المحافظة، عبر تنظيم المسيرات وترديد الأناشيد والتواشيح وعبارات من الذكر، حاملين الأعلام الخضراء واللافتات التي خُطّت عليها آيات قرآنية، إلى جانب استخدام الآلات الموسيقية والطبول والكاسات النحاسية. يأتي كلّ هذا وسط اهتمام أمني وحضور رسمي من وزارة الأوقاف والأزهر وبمشاركة قيادات دينية وتنفيذية وسياسية.


قبل فترة، أحيت المشيخة العامة للطرق الصوفية الليلة الختامية لمولد سيدي أبو الدرداء في الإسكندرية، عند ضريحه في منطقة كرموز غرب المدينة. هو المولد الأوّل في شهر رمضان، بحضور عدد من الطرق الصوفية وقيادات الطرق الصوفية في الإسكندرية، إلى جانب مئات من المريدين والأهالي الذي توافدوا إلى الضريح للمشاركة في الاحتفال. بدأ الأمر بمسيرة قبل أن يقرأ المحتفلون الفاتحة والأذكار والتواشيح في سرادق كبير بنته الطريقة الشاذلية، فيما زارت النساء المقام من الداخل وأشعلن الشموع.

يقول الشيخ أحمد المحلاوي، المعروف بخطيب الثورة، إنّ "هذه الموالد لا تتوافق مع الشرع وليس لها أصل في الدين من ناحية الشكل الإسلامي، بالإضافة إلى ما يقع خلالها من منكرات تسيء إلى الإسلام، ناهيك أنّ معظم تلك الأضرحة لأشخاص غير موجودين أو غير معروفين". يضيف أنّ "سرّ إقبال الناس على تلك الأضرحة يرجع إلى جهل العامة التي تستهويها تلك الأمور". أمّا الشيخ والداعية الإسلامي، محمد جابر، وهو إمام مسجد، فيقول إنّ "الموالد تجمّعات تمتلئ بالمخالفات الشرعية والسلوكية وليست لها علاقة بالتديّن. وعلى الرغم مما يدّعيه بعضهم حول حلقات الذكر، إلا أنّها قليلة تشارك فيها أعداد محدودة. ويشهد أكثرها ممارسات خاطئة تُعدّ خروجاً فاضحاً على أخلاق الدين وتقاليده".

في المقابل، يدافع وكيل مشيخة الطرق الصوفية في الإسكندرية، الشيخ جابر قاسم، عن احتفالات موالد الإسكندرية التي توقّف بعضها، خلال الفترة السابقة، لأسباب متعددة، لا سيّما "الأوضاع التي تمر بها البلاد في الفترة الأخيرة بالإضافة إلى محاولة هدم الأضرحة من جانب التيار السلفي". ويشير إلى أنّ "الإسكندرية تحيي 27 مولداً للأولياء الصالحين، يحرص أهالي المدينة على المشاركة فيها، إذ هي احتفالات دينية عامة نجتمع فيها للذكر والدعاء والاقتداء بسيرة هؤلاء الأولياء". ويوضح أنّ "الاحتفال لا يتقيّد بمريدي الوليّ فقط ولا بأهالي المنطقة أو الحيّ وحدهم، بل توجَّه الدعوات إلى باقي الطرق. ونحاول جاهدين القضاء على السلبيات أو المحرّمات التي قد تصاحب تلك الاحتفالات وتؤثر على الجانب الروحي. وفي بعض الأحيان تُسحب عضوية المخالفين أو تتّخذ إجراءات قانونية بحقهم".

أمّا محمد سعيد وهو أحد مريدي الموالد، فيرى أنّها "مظهر من مظاهر التقرّب إلى الله، عبر توزيع الصدقات على المحتاجين والمساكين إلى جانب قراءة القرآن". يضيف أنّ "من الممكن اعتبارها من وسائل الرواج والدعم للاقتصاد الوطني بعدما تحوّلت المناطق المحيطة إلى مركز لبيع وشراء بعض السلع والمنتجات، وتوفّر بالتالي فرص عمل لآلاف البسطاء على مستوى الجمهورية ولأصحاب الضريح أو القائمين عليه والمحال التجارية والتجار القريبين منه".
دلالات