على موقع مزاد كريستيز، يُنشر إعلان عن بيع جدارية آشورية يعود عمرها إلى قرابة ثلاثة آلاف سنة إذ يقدر أنها تعود للفترة 883-859 قبل الميلاد، حيث يفتح المزاد عليها، الأربعاء المقبل، 31 من الشهر الجاري في نيويورك.
يقول الإعلان الذي لا يمكن وصفه إلا بـ "الوقح" إن "ثمة ستين متحفاً حول العالم يضمّ جداريات وآثاراً من القصر الآشوري، بما فيها المتحف البريطاني، ومتحف بروكلين، وغاليري جامعة يال. ودون شك، فإن الجدارية التي يعرضها كريستي في 31 تشرين الأول/ أكتوبر تمثل أفضل قطعة من الفن الآشوري تقدّم إلى السوق منذ عقود، وسوف تباع نيابة عن معهد فرجينيا اللاهوتي بهدف تأمين صندوق المنح الدراسية".
وكأن الإعلان يقول لسنا وحدنا من سنبيع جدارية آشورية مسروقة، لكننا سنبيع أفضلها، هذا البيع استفز المثقفين في العراق، وازدحم تويتر اليومين الماضيين بتغريدات يبدو أنها متأخرة لإنقاذ القطعة، فلم يتبق وقت كثير لإنقاذها.
لكن وزارة الثقافة العراقية أكدت في بيان لها أنها خاطبت "الخارجية العراقية" بهدف اتخاذ أجراءات عبر سفارتها في واشنطن، في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، وبينت أن "الجدارية الآشورية، مشمولة بقرارات مجلس الأمن، ومنها قرار 661 عام 1990، والذي نصّ على حفظ الآثار العراقية ومنع المتاجرة بها".
لكن لا الخارجية ولا السفارة قامتا بأي تحرك باتجاه وقف البيع لغاية الآن وفقاً لمصادر مختلفة، نشرت وثيقة المراسلات التي أرستلها الثقافة إلى الخارجية، لمنع بيع قطعة يقدر أقل ثمن لها بـ 20 مليون دولاراً.
القطعة ذات النحت النافر تعود إلى منطقة نمرود، التي تقع جنوب الموصل، وبينما المدينة ما زالت تلعق جراحها، فإن هذا الحجر الذي كان قطعة من جدران القصر الشمالي الغربي يقع بطول سبعة أقدام (ارتفاعها 223 سنتمتراً وعرضها 195 سنتمتراً)، في المزاد، في رمزية مؤلمة عن واقع العراق اليوم، حاضر على شفا الانهيار وماض عريق يباع في مزادات العالم ويذهب ريعه لتدريس طلاب لن يكونوا عراقيين.
الجدارية التي أخذها الأب هنري بايرون هيسكل أحد المبشرين الأميركيين من العراق عام 1859، من الأركيولوجي البريطاني أوستن هنري لايارد، وأودعها في "الجمعية اللاهوتية" في ولاية فيرجينيا.
تمثّل النقوش التي على الجدارية كائن "الأفكال"، وتحيط به نباتات بينما هو يحمل دلواً ويبدو كما لو أنه يعتني بها، بينما هو في زي محارب، له اجنحة من الريش ويرتدي ملابس متقنة النقوش، ولديه غطاء على الرقص ويرتدي قرطاً ويحمل خنجرين مدسوسين في طية ملابسه.
الأفكال أو "الجني المجنح" ليس إلا رمزاً مكرراً في نقوش القصر، وهو رمز للخصوبة ولحماية الملك آشورناسريبال المرتبطة بالسماء، وهو الذي بنى ذلك القصر، أثناء حكمه من 883-859 قبل الميلاد، ويعد من أكبر القصور الآشورية.
من المعروف أن آشورناسريبال توسّع في مملكته، فغزا الكثير من الشرق الأدنى القديم بما في ذلك سوريا الحديثة والأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات - وهي منطقة يشار إليها اليوم بأنها "مهد الحضارة".
أميركا التي أعادت بعض القطع التي نهبتها أثناء الاحتلال مطلع هذا العام، ما زالت تبيع آثار العراق وتستفيد منها في تدريس طلابها، متحججة بأنها قطعة مأخوذة من القرن التاسع عشر، وهل يسقط التقادم سرقة الحضارة؟