جحيم طلاب سورية

14 مارس 2020
أوضاع الطلاب تسوء (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
ماذا تبقى من الحياة الطالبية في سورية بعد ثمانية أعوام من انتفاضة شعبها على نظام الأسد الابن، مع كل ما تخللها من دماء ودمار وقمع وقهر؟ سؤال البقاء مشروع باعتبار أنّ السؤال ينبع من سؤال أكبر هو التالي: ماذا تبقى من المجتمع بعد عمليات القتل والتهجير والتدمير التي طاولت المدن والقرى في سورية المفيدة و"غير المفيدة"، معطوفة على حرب مستدامة وقبضة أمنية قاهرة تئد كل صوت يمكن أن يرتفع في رفض مقولة الحرب والمؤامرة الكونية على النظام، والتشكيك بجملة ما يروج له النظام من ادعاءات حول الممانعة ومحور المقاومة، وما شابه من أقوال باتت ممجوجة لكثرة استهلاكها ومضغها؟

لا شك أن ما تبقى من حركة طالبية أعيد بناؤه على قاعدة "المنجزات" التي حققها النظام على الأرض بدعم ايران ومليشياتها بأسمائها وأنواعها، وهي عملية جرت هندستها استخباراتيا من خلال الأجهزة السورية وغير السورية. لكن ما تبقى هذا هو قليل من كثير، إذ ليس أمراً بسيطاً أن يعاني نصف عدد السكان من مرارة اللجوء والنزوح إلى الخارج وفي الداخل. وهو ما قاد إلى تغير في ظروف حياة كتلة سكانية كبرى بمن فيها من طلاب وتلامذة وغيرهم. بالطبع هناك من زُج به في القتال، ومن فقد قدرة العودة إلى مقاعد الدراسة، وهناك من غادر البلاد أصلاً، وبات في تركيا والاردن ولبنان وألمانيا وغيرها. وبالتالي فقد خرج من صفوف الحياة الطالبية، وانضم إلى جيش اللاجئين السوريين الذين يطرقون الأبواب بحثاً عن سفر أو إعاشة أو فرصة عمل. هؤلاء وسواهم ممن لم يكملوا المراحل الدراسية لم يعد بمكنتهم العودة إلى البلاد، باعتبارهم مطلوبين للجيش. وفي حال دخولهم اليها سيساقون إلى المراكز العسكرية لتدريبهم وزجهم في جبهات القتال. الكثيرون ممن صدقوا ادعاءات النظام بالسماح لهم بالعودة و"تسوية أوضاعهم" جرى اقتيادهم إما إلى السجون أو الثكنات.

ففي أعقاب "الانتصارات " التي حققها النظام من خلال الدعم الايراني والروسي باتت الحياة الطالبية مسخّرة بالكامل لخدمة النظام. هذا ليس جديداً ، لكن الجديد فيه أنه لم يعد في عملية تنفيذه أي ثغرة ممكن النفاذ منها، والخروج على أحكامها. تناقص عدد الطلاب الجامعيين وازداد عدد وعديد الكليات العسكرية والأمنية، وبات مصطلح "أمرك سيدي" السائد، ومن يتجرأ على أي شكل من أشكال الرفض مصيره السجون العامرة بعشرات ومئات الآلاف. بات الخوف من النظام هو المسيطر، وطاول هذا الوضع بعض الفئات التي ينتمي آباؤها إلى مؤسسات وأذرعة النظام العسكرية والأمنية. وأصبح الدخول إلى الجامعة والمعهد مسبوقاً بـ " شهادة حسن سلوك " من أفرع المخابرات بأجهزتها المتعددة. لم يعد هناك في سماء سورية أو على أرضها سوى الأسد والشبكات المرتبطة به تصول وتجول دون حد أدنى رفة جفن.




الهوامش المحدودة التي توفرت سابقاً جرى الغاؤها لصالح ديكتاتورية أو آحادية زعامية مطلقة، وما على الطلاب لضمان دخولهم إلى الجامعات أو بقائهم في صفوفها وأروقتها سوى نيل "الرضا والقبول". ومن غضبت منه مراكز القوى فمصيره جهنم دون شافع، علماً أن الإفراج عنه عبر الرشاوى والخوات يتطلب ثروة غير متوافرة.

(باحث وأكاديمي)
المساهمون