جثث في حاويات قمامة المغرب

14 اغسطس 2016
يبحث عمّا يمكن أكله أو بيعه (Getty)
+ الخط -
ربّما يصعب بالنسبة لكثيرين السير على مقربة من حاويات القمامة في المغرب. وإذا ما اضطرّوا إلى ذلك، يغطّون أنوفهم بمنديلٍ أو ما شابه، حتى لا يتنشّقوا أيّ روائح كريهة. قد يبدو هذا الأمر أكثر من عاديّ، ومن الطبيعي ألّا يحبّذ أحدٌ شمّ هكذا روائح. إلّا أنّ ثمّة من يعتمد على النفايات بشكل أساسي لتأمين لقمة العيش، ومنهم من يعثر خلال البحث في حاويات القمامة على ذهب ومال، وأحياناً على جثث أطفال.

يطلق على هؤلاء في المغرب اسم "بوعارة" أو "ميخالة". يومياً، ينبشون حاويات القمامة بحثاً عمّا يمكن بيعه في الأسواق، أو للشركات العاملة في مجال تدوير النفايات. إلّا أنّ غالبيّة هؤلاء يعانون في حياتهم اليوميّة. في هذا السياق، يقول سعيد توانيني، الذي يعمل في هذا المجال، لـ "العربي الجديد"، إن "نبش حاويات القمامة ليس أمراً سهلاً كما قد يظهر للبعض، بل هو عمل مضنٍ وعسير، ولا يمكن أن يقوم به إلّا من هو صبور"، لافتاً إلى أنه يقضي معظم نهاره بين النفايات.

يضيف توانيني، الذي يحمل شهادة جامعية من دون أن يتمكّن من العثور على وظيفة، أنه قرّر البدء في نبش حاويات القمامة بعدما يئس من العثور على عمل، خصوصاً أنه المعيل الوحيد لأسرته، لافتاً إلى أنه يبحث بين النفايات عمّا يمكن أن يجده، وإن كان يحزن لأن الشهادة الجامعية لم تنفعه في شيء.

في إحدى المرّات، وجد سلسلة ذهبية من دون أن يعثر على صاحبها، فباعها واشترى الدواء لوالدته المريضة. ومرة أخرى، وجد حقيبة سوداء، فخاف أن يكون فيها ممنوعات، لكنه اكتشف أنها فارغة.

من جهته، يقول عضو تعاونية تضم "بوعارة" أحياء الرباط، محمد درداس، لـ "العربي الجديد"، أن "البوعارة" أو "الميخاليين" يعيشون ظروفاً اجتماعية صعبة وقاسية، لافتاً إلى أنها "مهنة من لا مهنة له". يضيف أن "القانون لا يعتبرها حرفة، ولا تعترف بها الوثائق الرسمية. بالتالي، ليس هناك تغطية صحية ولا ضمان اجتماعي للعاملين فيها". درداس، وهو أيضاً "بوعاري" في أحد الأحياء الشعبية في ضواحي مدينة الرباط، يوضح أن العامل في هذا المجال يعيش ظروفاً صعبة، ويعاني من النواحي النفسية والاجتماعية والصحية. وإن كان يعملُ فيها، إلّا أنه يرى أن هذه المهنة تعد من "أحطّ المهن"، أقلّه كما ينظر الناس إليها، بحسب ما يقول. أما من الناحية الاجتماعية، فتضايقه نظرات الناس ونعته بـ "مول الزبل" أي صاحب النفايات. أما صحياً، فهو أكثر عرضة للإصابة بأمراض الصدر والحساسية.


يتحدّث درداس عن الأشياء الثمينة أو القيّمة التي قد يجدها "البوعارة" خلال نبشهم حاويات القمامة، لافتاً إلى أن بعض "الميخاليّين" عثروا على أموال بعملة اليورو. وفي أحد الأحياء التي يقطن فيها سيّاح أجانب، وجد أحد العاملين وثائق إدارية هامة، إلّا أنه أعادها لأصحابها، في وقتٍ يبحث آخرون عن الذهب والفضّة في الحاويات. ويلفت إلى أنّ أكثر ما ينقّب عنه "البوعارة" هو مواد الحديد أو الورق المقوّى أو "الكرتون"، وهذه عادة ما تُرمى في الحاويات الموضوعة على مقربة من البيوت أو المصانع. ويوضح أنّ "البوعارة" يبيعون هذه المواد لوسطاء يبيعونها بدورهم إلى شركات تدوير النفايات.

يضيف درداس أن "أكثر ما يؤلم العاملين في مجال نبش وفرز النفايات هو العثور على جثث لرضّع بين النفايات، وقد تخلّت عنهم أمّهاتهم لأسباب اجتماعية وعائليّة". يتابع أن لا شيء يضاهي قسوة أن يمد "البوعاري" يده وسط النفايات ليجد جثة.

بدوره، يقول باحسون، أحد أشهر وسطاء بيع الحديد والورق المقوّى والكرتون، والتي يشتريها من "البوعارة"، لـ "العربي الجديد"، إن "مهنة الوسيط بين الميخالي وشركة تدوير النفايات متعبة ومرهقة، إلا أنها قد تدرّ أرباحاً جيّدة بحسب جهود البوعارة".

ويرى باحسون أنّ "مهنة البوعاري ليست مثل أيّ مهنة أخرى، لأنّ القانون والمجتمع لا يعترفان بها، عدا عن كونها متعبة جداً"، لافتاً إلى أن "العامل يعاني كثيراً خلال النبش في النفايات طوال النهار. لذلك، قد تكون مهنة الوسيط أفضل، خصوصاً من الناحية المادية"، وإن كان يشير إلى أن شركات التدوير عادة ما تكون المستفيد الأكبر. يتابع أنه "على الرغم من الوصمة الاجتماعية لهذه المهنة، واحتقار مواطنين لها، واعتبار البوعاري مجرّد متسوّل" إلا أنه يشير إلى ضرورة احترام مزاول هذه المهنة، إذ يجني المال بعرق جبينه، وهذا أفضل من السرقة أو الانحراف.
دلالات