تواجه الجاليات العربية عموماً، والمسلمة في أوروبا تحديات الانخراط في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسة. وبتواضعها على المستوى الفردي والتنظيمي عليها أن تتأقلم مع الظروف والمواقف التي تتعرض لها من خلال مواجهة الأحداث بردود شبه آنية وارتجال يؤديان إلى أخطاء، ما يكفي للتأمل فيما إذا كان هذا يليق بسمعتها ويصب في صالحها على المدى البعيد.
ففي إيطاليا مثلا تتحرك الجاليات العربية والتي تعتبر حديثة بالمقارنة مع دول مثل فرنسا وبريطانيا بشكل خجول، وعبر محاولات وتجارب يعد بعضها فردياً ولو أنه يقدم بشكل مؤسساتي أو بشكل تطوعي يضع العبء في حالات عديدة على عاتق المقتدرين والمانحين من رجال الأعمال أو من الشباب المتحمس من ذوي الحس العالي في فكرة المشاركة التطوعية المجانية.
الوفاة مواجهة فردية
ففي حالة وفاة أحد المسلمين المقيمين في إيطاليا يبدأ المشهد المحزن بالتكرار من خلال التواصل مع أحد المراكز الإسلامية عبر ذوي أو أصدقاء المتوفى، وهنا نميز بين الموت في المشافي الإيطالية إن كان بسبب مرض عضال أو بحادث تعرض له المتوفى، ففي هذه الحالة يصار إلى تشريح المتوفى حسب القوانين الإيطالية، الأمر الذي لا يتم في حالة الوفاة الطبيعية في المنزل، وذلك لإعداد تقرير طبي شرعي يتم من خلاله إصدار أمر من المحافظ للبدء في إجراءات الدفن والتي عادة ما تتم بعد مرو 24 ساعة على الأقل، أما في حالة حصول الوفاة بعد نهاية ساعات العمل ليوم الجمعة فعادة ما يصار إلى تأجيل الدفن لاستكمال الأوراق الرسمية مما يعني تأخيره ليوم الاثنين الذي يليه بسبب تقاطعه مع العطلة الأسبوعية كما يؤكد السيد رضا الفرشيشي أحد مسؤولي المركز الإسلامي في بيروجا.
وصايا الدفن في المغرب
يحاول القائمين على المراكز الإسلامية القيام بمراسم الدفن الشرعية، إذ يؤمن للمتوفى الكفن الشرعي والتغسيل بالتعاون مع المتطوعين ومن ثم الصلاة عليه، وإنزاله بالتابوت المغلق قانونيا في القبر، حيث تخصص البلديات ضمن المقابر المحلية قطاعات خاصة للمسلمين واليهود منفصلة عن تلك المخصصة للمسيحيين، فعلى سبيل المثال أضافت بلدية مدينة بيروجا حسب ما يقوله لـ "العربي الجديد" مدير المقبرة المحلية، أوغو بونيفاششو، بإن " قطاعا جديدا خصص للجالية المسلمة يتسع لحوالي 60 قبرا بعد نفاذ الأماكن السابقة والتي اتسعت لحوالى 30 قبرا".
ومن الجدير بالذكر أن هذه القبور تعطى برسم الإيجار لـ10 سنوات فقط، إذ تدفع رسوم تجديد لعشر سنوات أخرى والتي تكون حوالى 400 إلى 800 يورو أو تنقل الرفات إلى محارق المقبرة، وتسلم لذوي الميت في علبة حديدية إن كانوا موجودين، وهذا يشكل جدلا كبيرا في توصيف الحالة الشرعية التي تعتبر سببا أساسيا للعديد من المغاربة الذين يوصون بنقلهم إلى بلدهم الأصلي على نفقتهم الشخصية ليدفنوا فيها بينما لجئت الجالية المسلمة في تيرني مثلا لشراء قطعة أرض خصصتها للمسلمين لحل هذه المشكلة .
أموال طائلة
أما في الشق المالي فإنه من المعروف أن لمراسم الدفن في إيطاليا قوانين خاصة، بحيث يعهد إلى شركات خاصة لنقل المتوفى وتقديم التابوت الذي يدفن به دون استرجاعه كما يعهد لها بترتيب الأوراق الرسمية بمساعدة الأهل أو المحاضر الأمنية أو الطبية اللازمة، ومن المتعارف عليه أن هذه الشركات تكلف مبالغ مالية تصل وسطيا بين 1900 إلى 2700 يورو، بحسب شركة الدفن والتعرفة المعتمدة في كل بلدية، وذلك يتضمن ثمن إيجار القبر وحفره، ونقل المتوفى والصندوق والرسوم المالية الرسمية من دون إضافة التكاليف التي تخص بناء القبر ووضع الشاهدة الرخامية التي ترفع التكلفة النهائية إلى أكثر من 4000 يورو، وهنا نجد أن المواطنين ذوي الدخل المحدود في مواجهة أعباء مالية غير متوقعة، فيبدأ المقربون بجمع ما يمكنهم عبر المساجد والأصحاب وبشكل شخصي، وفي بعض الحالات لا يستطيع القائمون على بعض المراكز من جمع حتى 100 يورو من المصلين بسبب الوضع المالي السيئ وأزمة العمل التي تعصف بإيطاليا منذ سنوات، لكن في بعض التجارب ينجح بعض المراكز الإسلامية في تخصيص صندوق طوارئ يقدم هذه المبالغ أو يشارك بسد النقص، وذلك بسبب عجز هذه المراكز عن سداد تكاليفها من إيجارات أو سداد فواتير المياه والتدفئة ناهيك عن التزاماتها بدفع أقساط شراء المراكز والتي يشكل التأخر عنها مشكلة كبيرة على المستوى القانوني.
حلول بسيطة
ربما وصلت الجالية المسلمة في إيطاليا إلى الوقت الذي يتوجب عليها ترتيب هذا الملف بحيث تعمل على تأسيس جمعية أو شركة غير ربحية كوقف إسلامي، تعمل على نقل الموتى وتحضير الأوراق الرسمية وفق معايير القوانين الإيطالية، بحيث تخفض من التكاليف الباهظة في البروتوكولات ونوعية التابوت ذي المواصفات الخاصة والخشب الغالي عالي الجودة، إضافة للمرافقين الذين من الممكن الاستعاضة عنهم بمتطوعين، هذا إضافة لعمل اتفاقيات على المستوى المحلي لشراء أراض تخصص كمقابر للمسلمين، وإلى أن يتم ذلك ربما من الأجدر للمسلم المتوسط الدخل في إيطاليا أن يبدأ بوضع هذا المبلغ جانباً بحيث يكون جاهزاً في حالة وفاته.
ربما ما زالت الجالية تعتبر أن الوجود في الغربة حالة فردية طارئة ومؤقتة، لكننا في الواقع نرى كل يوم حالات من المهاجرين الذين تجاوز وجودهم في الغربة 40 سنة وصار لزاماً على الجميع من هيئات وأفراد العمل على تأسيس حالة من التوازن والاستعداد للتأقلم مع فكرة مسلمي إيطاليا من الولادة إلى الوفاة.