جبهة تركية مفتوحة ضد "الكردستاني" في عمق العراق

26 ابريل 2017
البشمركة طالبوا بانحساب العمال الكردستاني (أزاد محمد/الأناضول)
+ الخط -
في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بدء الصراع التركي مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، في ثمانينيات القرن الماضي، قصفت مقاتلات تابعة لسلاح الجو التركي عمق الشمال العراقي، غرب الموصل، حيث مدينة سنجار، التي تحوّلت منذ نحو عامين إلى معقل رئيس لمقاتلي الحزب، عقب انسحاب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها. وهو ما فتح الباب للتساؤل حول العملية وتوقيتها وأهميتها على جغرافية العراق وردود الفعل المتوقعة وكذلك احتمالات تكرارها. وأدى ذلك إلى ردّ فعل فوري من حكومة إقليم كردستان، التي طالبت حزب العمال الكردستاني بـ"الانسحاب فوراً من منطقة سنجار".

وسبق للعميد هلكرد حكمت، وهو أحد المسؤولين والمتحدث الإعلامي باسم البشمركة، أن طالب "حزب العمال الكردستاني بمراجعة مواقفه وإخلاء مواقعه في إقليم كردستان فوراً". وأضاف "ندعو تركيا إلى التعامل بدقة وحساسية أكبر مع هذا الموضوع، لأننا لا نريد أن تتحول مناطق إقليم كردستان إلى طرف في صراع الآخرين". وأعاد التذكير بأنه "منذ أكثر من سنة، نؤكد على أن البشمركة وإقليم كردستان لا يريد أن يُقحم في الصراعات الإقليمية. ما حذّرنا منه حصل، ونتيجة للهجوم التركي فقدنا شهداء ولدينا جرحى ودمرت الطائرات موقعاً للبشمركة". واعتبر حكمت أن "بقاء العمال الكردستاني في سنجار مبعث خطر على المنطقة، والتهديدات التركية ستستمر، لأن العراق بلد ضعيف لا يستطيع أن يحمي أراضيه".

في هذا السياق، كشف مسؤولون أكراد في أربيل، لـ"العربي الجديد"، أن "نحو 20 صاروخاً أطلقتها ثلاث مقاتلات تركية دخلت الأجواء العراقية من مثلث فيش خابور الحدودي بين البلدين، في الساعة الثانية (بالتوقيت المحلي) من فجر أمس، الثلاثاء، واستهدفت ثلاثة مبانٍ وموقعين عسكريين لمسلحي الحزب، فضلاً عن مبنى صغير يُعتقد بأنه يحوي على أسلحة وذخيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني".

وعلى الرغم من نفي الحزب لوقوع خسائر في صفوفه، إلا أن مستشفى دهوك القديم استقبل عدداً من القتلى والجرحى من مسلحي الحزب، بينهم شخصية تعرف باسم كاميران آشتي. كما أن التفجيرات تواصلت عقب القصف لنحو ساعة ناجمة عن تفجر العتاد والذخيرة والأسلحة المقصوفة التابعة للحزب المصنف ضمن لائحة الإرهاب.

والعملية هي الأولى من نوعها، إذ اقتصرت المواجهات التركية مع الحزب على الشريط الحدودي العراقي التركي وفي مناطق تعرف بالأرض الحرام قرب معبر إبراهيم الخليل. وجاء القصف الجوي التركي بعد أيام قليلة من تصريحات المسؤولين الأكراد في أنقرة، باحتمال تنفيذ عملية مشابهة لما تم في سورية لملاحقة المتمردين، أطلق عليها اسم "درع دجلة"، ما فُهم منه بأن العملية جوية لا برية.


كما وُجد فريد كيفي، أحد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، في مستشفى دهوك مع جرحى وقتلى بعد ساعات من الهجوم، مانعاً الجميع من التصوير. حتى أنه وصل الحال به إلى التهديد بإطلاق النار على كل من يلتقط صوراً بالهاتف الجوال. كما كشفت مصادر من داخل مستشفى دهوك أن "مقاتلي البشمركة التابعين لأربيل قتلوا بقصف خطأ على موقع لهم قرب جبل سنجار الغربي، يبعد نحو 7 كيلومترات فقط عن مواقع حزب العمال الكردستاني". وهو المحور نفسه الذي شهد قبل أشهر قليلة مناوشات مسلحة بين البشمركة وحزب العمال الكردستاني.

وقال القيادي الكردي حمة أمين، أحد كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"العربي الجديد"، إن "وصول يد الأتراك إلى سنجار التي كان حزب العمال يتوقعها معقلاً آمناً له، نقطة تحول كبيرة ورسالة يجب على الأطراف الأخرى فهمها". وأضاف أنه "نحن كإقليم، أول من طالبنا بطرد مسلحي الحزب، وسمّيناهم المرض، فوجودهم يجلب القصف والدمار بأي مكان يدخلون إليه".

وحول موقع سنجار سياسياً وعسكرياً، قال إن "سنجار تقع على خط عرض 36 شمالاً، الخاضعة لسيطرة أميركية بريطانية منذ عام 1991 عندما دخلت القوات العراقية إلى الكويت، وفرضت منطقة حضر جوي حينها بقرار من الأمم المتحدة، وتعززت بعد التحالف الدولي المشكل عام 2014، رغم رفع العراق من تحت عقوبات البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة العام الماضي". وأضاف أمين "لا ندري هل تم التنسيق بين الأطراف تلك قبل الهجوم أم لا، وأرجح بنعم تم التنسيق، فالأجواء ملغومة من حول سنجار بالطيران الحربي ولا يمكن تنفيذ شيء من دون تنسيق".

من جانبه، قال وزير عراقي، رفض الكشف عن اسمه، إنه "من المرجح استدعاء السفير التركي في بغداد بسبب الحادث، إلا أن أي رد فعل أقوى من ذلك لن تتخذه بغداد". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأتراك سبق أن أبلغوا رئيس الوزراء (العراقي حيدر العبادي) بأنهم سيضربون مقرات حزب العمال حتى لو وصلت إلى بغداد، وهو ما لم يفهمه العبادي نفسه، عندما ألحوا عليه بطردهم من الأراضي العراقية وعدم توفير ملاذ لهم". وتوقع الوزير أن "تكون الضربات الجوية مجرد بداية لعمليات جوية مماثلة بين فترة وأخرى، لحين اقتناع رئيس الوزراء بضرورة طرد مسلحي الحزب من المدن العراقية الشمالية، وإرسالهم إلى جبال قنديل أو إلى وادي نوح الحدودي بين تركيا والعراق من جهة نينوى، حيث كانوا قبل عامين وتعرضوا فيها لخسائر كبيرة على يد الأتراك". وهو ما توقعه أيضاً مسؤولون ومراقبون في إقليم كردستان العراق بأن تستمر الهجمات التركية ضد مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي في سنجار.


في هذا الصدد، وقال الخبير بشؤون حزب العمال الكردستاني، عبد الغني بوتاني، إن "قصف الطيران التركي لمواقع الحزب، برأيي، يأتي ترجمة لقرار تركي بإضافة مواقع جديدة لحزب العمال الكردستاني إلى قائمة المواقع التي تستهدفها خارج تركيا، خصوصاً سنجار". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "كان حزب العمال الكردستاني قد أعلن قبل نحو 20 يوماً، أنه بصدد تأسيس قواعد له في سنجار وفي جبل قرجوغ، الواقع في قضاء مخمور، جنوب أربيل، وقد جاءت غارة أمس لضرب سنجار". وأوضح أن "جبل سنجار موقع مهم الآن للعمال الكردستاني، لذا سيتعرض لغارات جوية تركية بين فترة وأخرى مثله مثل قنديل ومواقع أخرى داخل العراق".

وتوقع بوتاني أن "تضرب تركيا مواقع أخرى جديدة يتخذها حزب العمال الكردستاني كقواعد، مثل منطقة باي حسن، الواقعة في محافظة كركوك". ورأى أن "الهجوم هو بداية حرب على تلك المواقع، وأيضاً رسالة إلى بغداد، مفادها أن تقدم الحشد في تلعفر وتغلغله في الموصل لن تقبل به، وضرب العمال الكردستاني باعتباره حليفاً للحشد، هو تعبير عن موقفها، فضلاً عن أنه حق مشروع في دفاع تركيا عن أمنها والتصدي لخطر يهددها". واعتبر الخبير الكردي أن "وجود العمال الكردستاني في كردستان العراق، في سنجار ومخمور وقنديل، واستهدافه من قبل تركيا ليس في صالح الإقليم، وسيدفع أبناء الإقليم ضريبة ذلك، بدليل أن خمسة من البشمركة قتلوا في سنجار".

من جانبه، دعا قائممقام قضاء سنجار، محما خليل، كلاً من العمال الكردستاني وتركيا لـ"عدم تصفية مشاكلها على أرض سنجار". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب على حزب العمال المغادرة وترك سنجار فوراً. إن المدينة فيها ما يكفيها، وهي مدمّرة أصلاً بعد حرب تحريرها من داعش. وهناك آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين من المدنيين، وجلد المدينة لا يحتمل الضرب إطلاقاً. والقصف كان مهولاً من المقاتلات التركية وسبّب رعباً بين السكان".

المساهمون