"سأصنع للوطن انعكاس الماء... وأعطيه حقه من النرجسية... لعلني أموت وأنا فاتناً بجماله"، تلك العبارة خطّها بهاء عليان، أحد منفذي الهجوم على حافلة للمستوطنين بالقرب من مستوطنة "أرمون هنتسيف" المقامة على أراضي حي جبل المكبر جنوبي القدس المحتلة، أمس الثلاثاء. كتب بهاء عليان هذه العبارات ذات يوم على صفحته على موقع "الفيسبوك"، وتداولها أصدقاؤه ورفاقه أمس وهم يتابعون تداعيات انتفاضة القدس المحتلة المستمرة، ويسترجعون من "بطل الجبل"، كما يُوصف هو وشهداء جبل المكبر في كل زمان، كثيراً من الذكريات، ولا سيما أن عليان هو الأقرب إلى قلوب كثيرين من أبناء حيه ومن رفاقه وأصدقائه، ويتذكر الجميع كيف قاد قبل عامين مسيرة سلمية حول أسوار البلدة القديمة ليؤكد على عروبتها.
تاريخ من المقاومة
انتماء عدد من الشباب الفلسطينيين، الذين نفذوا عمليات متعددة ضد الاحتلال ومستوطنيه إلى جبل المكبر لم يكن مفاجئاً. فالجبل لم يتأخر يوماً عن الدفاع عن القدس أو المشاركة في الانتفاضة الفلسطينية، مؤكداً أن الأرض المحتلة للفلسطينيين مهما طال زمن الاحتلال وقمعه. وهو ما تعزز أمس بعد انضمام ثلاثة من أبناء جبل المكبر إلى قافلة الشهداء والمصابين الفلسطينيين التي لا زالت تتسع، لتعلن أن المقاومة مستمرة حتى تحرير الأرض من طغيان الاحتلال.
أبطال الجبل الجدد، بهاء عليان وبلال غانم، منفذا عملية إطلاق النار على حافلة إسرائيلية، وعلاء أبو جمل منفذ عملية دهس وطعن المستوطنين في شارع "ملوك إسرائيل"، وكذلك من سبقهم من شهداء ومصابي جبل المكبر على غرار "عدي وغسان أبو جمل"، منفذا الهجوم العام الماضي على معهد للمتطرفين في القدس المحتلة، ينتمون جميعاً إلى ذلك الجبل المطل على البلدة القديمة من القدس المحتلة وعلى المسجد الأقصى. وهو الجبل ذاته الذي اكتسب اسمه وشهرته من الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب الذي وقف على سفوحه مستهلاً فتح القدس ومكبّراً قبل دخولها ومن تلك التكبيرة سمي بـ"جبل المكبر".
يقول الإسرائيليون إن "لهم مع الجبل وأبنائه حساباً عسيراً"، فمنذ أن كان للصراع في القدس تاريخاً، كان الشهداء من أبناء الحي، يشاركون في كتابته وهم يدافعون عن مدينتهم ويصدّون غزوات المحتلين، وعرف عن أبنائه بأسهم وشدتهم، وكانوا الدرع الحامي لبلدتها القديمة، وقلعة وحصناً للشهداء أمثال جميل زحايكة، وموئلاً للأسرى، ومنارة للأدباء والكتاب من أبنائه أمثال: محمود شقير، وجميل السلحوت، وإبراهيم جوهر، وحليمة جوهر، ومنه القادة والإعلاميون ورجال السياسة.
أمس تحديداً، بدا جبل المكبر كما يقول أبناؤه، أكثر شموخاً وعظمة، وقد لبّوا نداء القدس والأقصى، بعدما شاهدوا الطفل الجريح أحمد مناصرة من بيت حنينا وهو يتلوّى ألماً وينشد المساعدة من قاتليه، ولم يلقَ منهم سوى تمنيات الموت والشتائم النابية. كان بهاء عليان أمس الأول، كما يقول رفاقه، في بيت عزاء الشهيد مصطفى الخطيب، رأوه يبكي، وكان بكاؤه مرّاً وحاراً.
أما بلال غانم (21 عاماً) وهو من سكان جبل المكبر، فتعود أصوله إلى بلدة برقين غربي جنين، وأمه من جبل المكبر، حيث أمضى في سجون الاحتلال 14 شهراً وأفرج عنه العام الماضي، كما يقول رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب.
اقرأ أيضاً: الحمدالله يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وعريقات: سنشكو نتنياهو للجنائية
وبينما نفذ الشباب المنتمون إلى جبل المكبر عملياتهم، كان الإسرائيليون يشنون حملة شعواء ضد الحي، وكان رئيس بلدية القدس المحتلة، نير بركات، الذي حصّن نفسه بالمسدس والبندقية، يدعو لفرض طوق أمني على جبل المكبر وعلى بؤر المقاومة في القدس والعيسوية، ومخيم شعفاط، ورأس العمود، ووضع الحواجز على مشارفها وتقييد حركة سكانها.
أما وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، فأكد وهو يتحدث عن "إجراءات فورية"، أنه سيكون لجبل المكبر النصيب الوافر من إجراءات القمع، فقبل أسابيع فقط كان جنود أردان يقتحمون منزل الشهيد غسان ويفجرونه، وبالقرب منهما كان منزل الشهيد محمد جعابيص يُستباح أيضاً، وقبل كل ذلك كانت شجاعة أبناء الجبل في اختبار عسير.
وفي السياق، يقول سكان جبل المكبر إن "الاحتلال كان على الدوام يستهدف حيهم سواء بمصادرة أراضيهم وهدم منازلهم، أو من خلال بناء المستوطنات عليها كما حدث ببناء مستعمرة أرمون هنتسيف إلى الغرب من الحي". وخلال السنوات الثلاث الماضية، شيّدت سلطات الاحتلال حياً استيطانياً جديداً فوق أراضيهم يدعى "نوف تسيون"، في حين أقامت على أحد سفوح الحي مركز قيادة للشرطة وحرس الحدود الإسرائيلي المسمى "عوز".
نقطة اشتعال دائمة
ليس هناك إحصائية محددة لعدد سكان هذا الحي، لكن بعض المصادر تُقدّرهم بنحو 20 ألفاً، ومعظم سكانه مزيج من قبائل وعشائر قرى العبيدية والسواحرة المحيطة، الذين يتميّزون بعلاقات وطيدة فيما بينهم.
لم تتغيّر التركيبة السكانية كثيراً في المكبر، فظل محافظاً على الغالبية العظمى من عائلاته الأصلية، وأدى وجوده مشرفاً على المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، ونقطة تماس مع المستوطنين، إلى إبقائه دوماً نقطة اشتعال لا تنطفئ في القدس المحتلة، ونظر له الاحتلال دوماً على أنه المكان الذي يجب سحقه بعد أن فشل في ترويض أبنائه.
ومن الناحية الإدارية، يُعتبر جبل المكبر جزءاً من مدينة القدس المحتلة، ويقع تحت إشراف سلطات بلدية القدس المحتلة في كل ما يتعلق بالخدمات والمرافق العامة كالتعليم والصحة الوقائية والبنية التحتية، مثله في ذلك كباقي الأحياء والقرى العربية الواقعة ضمن الحدود الإدارية لبلدية الاحتلال في القدس، مثل سلوان وصور باهر وبيت صفافا وشعفاط والبلدة القديمة من مدينة القدس الواقعة ضمن أسوار مدينة القدس التي بناها السلطان سليمان القانوني في العام 1536.
اقرأ أيضاً: الفلسطينيون في القدس ضحايا تصفيات مجرد الشبهة