أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أن المفاوضات الخاصة بحل القضية القبرصية، المنعقدة في سويسرا حاليًّا، قد تكون آخر محاولة، داعيًا اليونانيين والقبارصة اليونانيين للاستيقاظ من وهم إنهاء التواجد العسكري التركي في الجزيرة.
وأشار الوزير التركي، خلال تصريحات أدلى بها من سويسرا للصحافيين، بعد جلستي تفاوض على مستوى الدول الضامنة، إلى أن أنقرة لن تنسحب من الجزيرة، ولن تقبل بإنهاء معاهدة الضامنين الموقعة عام 1960، في إطار استقلال الجزيرة عن الاحتلال البريطاني.
ووصف جاووش أوغلو المفاوضات الجارية في سويسرا لإيجاد حل للجزيرة المقسمة بـ"الختامية والأخيرة"، قائلًا: "إن كان هناك حل للجزيرة فإنه سيتحقق، وإلا فلا معنى لإطالة هذا الامر أكثر من ذلك"، مضيفًا: "أجرينا جلسات في ما يخص الضمانات والأمن. لا يمكن أن نبدأ من (طلبات اليونانيين والقبارصة اليونانيين) بعدم تواجد العسكر أو بعدم وجود ضمانات. نحن لا نقبل هذا"، مضيفًا: "نُظهر في اللقاءات ما يمكننا أن نظهره من مرونة، ولكن لا نتراجع عن أساسيات فهمنا".
وتابع جاووش أوغلو: "إن كان هذا المؤتمر هو النهائي، فلا بد من التوافق على جميع المواضيع. لسنا في وارد التفاوض على القضية القبرصية مدى الحياة. يجب أن نخرج بنتائج إيجابية حول المواضيع التي نركز عليها".
وفي إشارة إلى المطالب اليونانية واليونانية القبرصية لإنهاء الوجود التركي، الذي بدأ مع تدخل أنقرة عام 1974، قال جاووش أوغلو: "إن رغبات اليونانيين والقبارصة اليونانيين بإلغاء معاهدة الضامنين، وإنهاء التواجد العسكري التركي في الجزيرة، ليست إلا وهمًا. لا بد لهم من الاستيقاظ من هذا الوهم وهذه الأحلام. اليوم أشار (رئيس القبارصة الأتراك)، أكنجي ويوم، إلى أهمية التواجد العسكري التركي، كما أشارت إلى ذلك الأحزاب السياسية في جمهورية قبرص التركية".
وافتُتحت، يوم أمس الاربعاء، جولة جديدة من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بين زعماء القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، في منتجع بجبال الألب السويسرية، بحضور وزراء خارجية الدول الضامنة، وسط آمال حذرة بإمكانية التوصل إلى اتفاق يعيد توحيد نيقوسيا، آخر العواصم الأوروبية المقسمة.
وبعد فشل جولة المحادثات السابقة، بداية العام الحالي، وتراجع حضور وزراء خارجية الدول الضامنة في اللحظات الأخيرة، إثر الطلب اليوناني بمنح المزيد من الوقت، رفعت جولة المفاوضات الحالية الآمال بإمكانية إنهاء الأمور العالقة والتوصل إلى اتفاق، وذلك إثر مشاركة كل من وزير الخارجية التركي، ووزير الخارجية اليوناني نيكوس كونتزياس، ووزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، بينما من المنتظر أن يشارك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في المفاوضات، الجمعة المقبل، كما سيمثل الاتحاد الأوروبي كل من نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمان، ومسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني.
وتم إنشاء طاولتي مفاوضات، الأولى ضمت الدول الضامنة، وهي كل من تركيا واليونان وبريطانيا، لمناقشة واتخاذ القرارات في ما يخص كلًّا من الملف الأمني والضمانات التي يطالب بها الفرقاء القبارصة في الفيدرالية القبرصية المقبلة.
أما الطاولة الثانية، فضمت كلًّا من رئيس القبارصة الأتراك، مصطفى أكنجي، ورئيس القبارصة اليونانيين، نيكوس أناستاسياديس، لتضع اللمسات الأخيرة على نظام الحكم في قبرص الفيدرالية، وخارطة الفيدراليتين، وتقاسم الثروة والأراضي، وتقاسم السلطة والمناصب في نظام حكم قبرص الفيدرالية، وعودة المهجرين من الطرفين، ودفع التعويضات، إلى غير ذلك من المواضيع الهامة.
وتعبيرًا عن مدى أهمية المؤتمر، توجّه وزير الخارجية التركي إلى المحادثات برفقة وفد تقني كبير من الخبراء، للتفاهم على واحد من أهم المواضيع الرئيسية المتعلقة بالتواجد العسكري للدول الضامنة، وبالذات التركي، حيث تمتلك أنقرة قواعد عسكرية في شمال الجزيرة، إثر التدخل العسكري الذي قامت به عام 1974 بعد الانقلاب العسكري الذي تم في قبرص بدعم من اليونان، وذلك بهدف حماية القبارصة الأتراك من حركة "الإينوسيس" (الاتحاد اليوناني) التي كانت تهدف إلى توحيد الجزيرة في إطار الجمهورية اليونانية.
وبينما يطالب كل من الأتراك والقبارصة الأتراك باستمرار التواجد العسكري التركي، كنوع من الضمان الأمني، لكن مع إمكانية تخفيضه بشكل تدريجي بحسب التزام اليونانيين بتطبيق الاتفاق، يطالب كل من اليونانيين والقبارصة اليونانيين بإنهاء التواجد العسكري التركي، وإلغاء اتفاقية الضامنين التي تم توقيعها عام 1960، والتي منحت الجزيرة الاستقلال تحت اسم الجمهورية القبرصية، مع منح كل من اليونان وتركيا والمملكة المتحدة صفة الضامن، وحق التدخل العسكري في الجزيرة لحماية أمنها.
ولم تعبّر لندن، حتى الآن، عن موقفها النهائي من اتفاقية الضامنين، حيث إن لندن تبدو منفتحة على جميع الخيارات ما دام أي اتفاق مقبل سيحفظ حق بريطانيا بقاعدتيها العسكريتين (البحرية والجوية) المتواجدتين على الجزيرة، باعتبارهما أراضي بريطانية.
ومن بين المواضيع التي سيتم بحثها أيضًا، وتشكّل أهمية كبيرة لأنقرة، هو وضع المواطنين الأتراك العاملين والمقيمين على الأراضي القبرصية، الذين يقارب عددهم المئة ألف، وكذلك وضع الطلبة الأتراك الذين يتلقون التعليم في الجامعات القبرصية والذين يقارب عددهم الستين ألفًا، حيث تطالب تركيا بأن يضمن الاتفاق حقوقًا متساوية لكل من المواطنين الأتراك والمواطنين اليونانيين في الفيدرالية القبرصية، مع منح الأتراك حق الدخول إلى الأراضي القبرصية من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول، وكذلك حرية العمل والإقامة والتملك، الأمر الذي يرفضه اليونانيون، رغم أن اليونانيين يتمتعون بهذه الحقوق، كون كل من قبرص واليونان أعضاء في الاتحاد الأوروبي.