ويرى مراقبون أن لجوء سلطات الانقلاب في صنعاء إلى أسلوب التهديد بالتصفية الجسدية ضد قيادة نقابة الجامعة، التي دعت للإضراب الشامل، يأتي لإدراك الانقلابيين أن جبهة النضال السلمي المشتعلة في وجه سلطتهم، من داخل أسوار الجامعة، لا تقل في تأثيرها عن جبهات الحرب المشتعلة ضدهم على امتداد البلاد. كما أنهم يدركون الدور الذي تؤديه جامعة صنعاء في إشعال الحراك الثوري الذي تسعى المليشيات لإخماده مبكراً، ولو باستخدام القوة.
وتتصاعد الحركة الاحتجاجية التي تقودها نقابة التدريس في جامعة صنعاء بهدف انتزاع حقوق منتسبيها، المتمثلة بالرواتب، يوماً بعد آخر. ومقابل ذلك توعدت حكومة الانقلابيين (تضم ممثلين عن الحوثيين والرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح) بحل نقابات التدريس في الجامعات الحكومية على خلفية الإضراب الشامل الذي تنفذه هذه النقابات للمطالبة بالرواتب. وهدد وزير التعليم العالي في حكومة الانقلابيين، حسين حازب، بحل النقابات في كافة الجامعات الحكومية. وبرر توجهه بالقول، في منشور له على موقع "فيسبوك"، "بعدم وجود نقابات للمدرسين والعاملين في غالبية جامعات العالم". وقال حازب إن "تطبيق القانون داخل الجامعات كفيل بأن يجعل الجميع نقابة واحدة وأسرة واحدة، من رئيس الجامعة إلى أصغر موظف". وشدد على أن وزارته ستقوم بحل النقابات.
ويرى الدكتور في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، علي البريهي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الإضراب الذي دعت له نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في جامعة صنعاء والجامعات الحكومية اليمنية لا يتعدى كونه إضراباً عن العمل من أجل استلام الرواتب، التي لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تقطع أو تمسّ، حتى في ظل الكوارث أو الحروب". ويعتبر البريهي أن الجامعات هي عقل المجتمع ودليله، لأن منبع أي تحول أو تغيير يأتي منها، بما في ذلك التحولات أو الثورات المجتمعية. ويضيف "الحقيقة أن الجامعات هي بيوت معرفة وخبرة، ووظيفتها استنهاضية للمجتمع، لذلك فإن الجهلة والكهنوت يخشون الجامعات ويرتعدون منها ويسعون بكل قوة لتدجينها وتحويلها إلى كتاتيب، ويحطون من قدرها لتتناسب مع جهلهم وتخلفهم وهمجيتهم". ووفقاً للبريهي فقد "عملت الأنظمة الاستبدادية على اختراقها وغزوها بعناصر أمنية استخباراتية، تعمل على تعطيل دور الجامعات وحرف مسارها عن وظائفها الحقيقية في التعليم والتنوير والبحث العلمي ودحض الجهل ومقاومة الاستبداد والاستعباد والقهر والظلم".
وتعد جامعة صنعاء من أكبر المؤسسات التعليمية الحكومية في اليمن، إذ يبلغ عدد الطلاب فيها ما يقارب 90 ألف طالب وطالبة، ما منحها القدرة على صناعة الأحداث والتأثير فيها. ولا تكاد تمر مرحلة من مراحل التغيير السياسي في اليمن إلا ويسجل أن للجامعة ومنتسبيها اليد الطولى فيها، من خلال النضال السلمي والمدني. وكانت جامعة صنعاء، عبر طلابها، قد قادت الثورة الشبابية الشعبية التي انتهت بالتوقيع على المبادرة الخليجية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، هو عبد ربه منصور هادي، ما أنهى حكم الرئيس علي عبدالله صالح ضمن ثورات الربيع العربي. وكان طلاب جامعة صنعاء سباقين في الخروج بمسيرات للمطالبة بإسقاط النظام، من داخل ساحات الجامعة قبل أن يقوم الطلاب بتأسيس ساحة التغيير أمام بوابة الجامعة وسط العاصمة صنعاء ونصب الخيام، لتنضم إليهم مكونات سياسية وفئات الشعب المختلفة، وليستمر الاعتصام ما يقارب العامين. كما أن الطلاب أنفسهم كان لهم السبق في اشعال ثورة المؤسسات في حينه، من خلال الانتفاض في وجه عمداء الكليات الموالين لنظام صالح، وإسقاطهم من خلال الحراك الطلابي الذي كان يتم بالتوازي مع حراك أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، والذين انضم معظمهم للثورة الشبابية الشعبية وشاركوا فيها بفاعلية.
الصحافي سلمان الحميدي، كان واحداً من طلاب الجامعة (كلية الإعلام)، الذين شاركوا في إشعال الثورة من داخل الجامعة. يقول الحميدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المليشيات الانقلابية تعتمد على الجهل كدعامة أساسية للاستيلاء على السلطة. وبالعودة التاريخية إلى الإمامة نجد أن الأئمة قد اتخذوا تجهيل الشعب كوسيلة للبقاء في سدة السلطة، ثم قام الرئيس المخلوع علي صالح بسياسة مشابهة وعضدها بتخزين القوة، لكن متغيرات الواقع فرضت نفسها بقوة". ويلفت إلى "أن الجامعات اليمنية شكلت وعياً لدى الشباب، وقد تمت بلورة الوعي إلى ثورة أطاحت بصالح". ويعتبر أن "هذا ما حدث في يناير/ كانون الثاني 2011، إذ خرج طلاب من الجامعة يهتفون للتونسيين بعد هروب الرئيس التونسي، زين العابدين (بن علي) وينذرون المخلوع صالح بأن يرحل قبل فوات الأوان. وكانت الجامعة بمثابة منبع للاحتجاجات، غذتها وسائل الاتصال الاجتماعية، وعوامل أخرى". ويشير إلى أن "المليشيات تعي دور الجامعة في الثورة كما تعي أنها مليشيا. ما نشاهده اليوم ليس سوى صورة مكررة لـ2011، لكن هذه المرة بصورة أشجع: عُزّل بلا رواتب يواجهون مليشيا تحالفت مع المخلوع الذي يريد أن ينتقم بأي صورة ممن أطاحوا به، وفي مقدمتهم جامعة صنعاء".
وطوال مراحل التاريخ اليمني الحديث كانت الحركة الطلابية هي الفاعل الرئيس في صناعة أحداث الحركة الوطنية منذ الإرهاصات الأولى لثورة سبتمبر/ أيلول 1962 في اليمن الشمالي ضد الحكم الإمامي، وثورة أكتوبر/ تشرين الأول 1963 في جنوب اليمن ضد المستعمر البريطاني. كما أن الحركة الطلابية كانت هي النواة الأولى في تأسيس التيارات الفكرية والسياسية المختلفة. كذلك مثلت جامعة صنعاء محطة هامة لانطلاق الحراك السياسي اليمني من خلال نشاط القطاعات الطلابية، لاسيما في تسعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت حراكاً حزبياً منقطع النظير، بسبب إعلان التعددية الحزبية عقب الوحدة اليمنية في عام 1990.
"بطاقة تعريفية"
أنشئت جامعة صنعاء في عام 1970 في عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، وكانت تتكون حينها من كليتين فقط، هما الشريعة والقانون والتربية. ووفقاً لموظفين في الجامعة، فإنها تعد حالياً أكبر جامعة في الجزيرة العربية، إذ يدرس فيها ما يقرب من 90 ألف طالب وطالبة.
وتتكون الجامعة حالياً من 18 كلية تحتوي على 115 تخصصاً وشعبة علمية و23 مركزاً بحثياً وخدمياً. ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم 2553، كما يبلغ عدد الموظفين 1761، كما أن هناك 605 موظفين بنظام التعاقد، وفقاً للموظف في مركز تطوير الإدارة العامة في جامعة صنعاء، بسام عبده سيف.
وأول رئيس للجامعة هو أحمد جابر عفيف الذي كان يشغل منصب وزير التربية والتعليم، إذ كانت الجامعة تتبع الوزارة حينها، وقد تداول على رئاسة الجامعة العديد من الشخصيات، لعل أبرزها رئيس الوزراء اليمني الراحل، حسن مكي والشاعر عبدالعزيز المقالح.
ومن أبرز الشخصيات التي تخرجت من الجامعة البروفيسور العراقي حاتم الصكر، أستاذ الأدب الحديث والذي نال منها شهادتي الماجستير والدكتوراه، والرئيس الإريتري الحالي أسياس أفورقي، والفنانة السورية أمل عرفة، والمفكر اليمني عبدالباري طاهر، ووزير الخارجية، عبدالملك المخلافي، والحائزة على جائزة نوبل الناشطة الحقوقية، توكل كرمان، فضلاً عن رجل الأعمال اليمني حميد الأحمر وغيرهم من الشخصيات.