لن يدرس طلاب الطب في إحدى الجامعات الدنماركية التشريح والأمراض فحسب، بل سيضاف إلى منهاجهم الأدب، بهدف تعزيز قدرات الأطباء على التواصل مع المرضى والاستماع إليهم
قرّرت جامعة جنوب الدنمارك إلزام طلاب الطب دراسة الأدب لتهيئة أطباء المستقبل ليكونوا أكثر دراية بما يطلق عليه "الطب السردي"، ما يمنحهم القدرة على فهم ما يقوله المرضى. ويستهدف هذا الإجراء الإلزامي والفريد من نوعه تمرين طلاب الطب على التواصل بشكل أفضل مع المرضى، وخلق ظروف منصفة للمرضى الأكثر حرماناً وضعفاً في النظام الصحي، خصوصاً مع زيادة الشكاوى حول عدم تخصيص الأطباء الوقت الكافي للمرضى للاستماع إليهم، بقدر تركيزهم على التشخيص.
ومنذ عام 2016، أدخلت الجامعة طلاب الطب في مرحلة تجريبية وفرضت عليهم مقرر "أدب السرد والخيال". والهدف من التجربة جعل أطباء المستقبل أكثر قدرة على الاستماع إلى المرضى خلال سردهم لمسار أمراضهم.
وبموجب هذا التعديل المعلن عنه خلال الأيام القليلة الماضية، وإدخال مادة الأدب إلزامياً، سيتوجب على الملتحقين بالسنة الأولى لدراسة الطب البدء بدراسة مراجع أدبية للأديبين الدنماركيين ميكال يوسيفين وكلاوس لونغورد حول "أدب المرض"، والمتعلّق أساساً بحالة الإنسان الذي يعيش ظروفاً اجتماعية غير صحية نفسياً وعصبياً، وكيفية معايشة الناس للأمراض في المحيط والأسرة، أو مع الذات. المقرّر الجديد لا يعني أن الطلاب لن يدرسوا التشريح وعلوم الأمراض وعلم المناعة، على الرغم مما أثارته التجربة من استغراب الطلاب خلال المحاضرة التجريبية الأولى في السادس من مارس/ آذار الجاري، خصوصاً الذين تمّ قبولهم صيف العام الماضي 2018 لدراسة الطب.
الطب السردي بحسب البروفيسور المشارك في تعليم الأدب للأطباء، بيتر سيمونسن، يهدف إلى جعل "الإنسان أولاً"، ويلزم الطلاب بثلاث حصص أسبوعياً، بمشاركة أطباء وأدباء وباحثين. ويقول سيمونسن في تصريحات لصحف دنماركية: "الفكرة بسيطة جداً. من خلال الأدب، سنعمل على تعزيز مخيلة الطلاب، وسيصبح لدى أطباء المستقبل قدرة كبيرة على الإنصات الجيد، ومعايشة معاناة المرضى. وفي النهاية، يكون التشخيص أفضل".
وترى الجامعة أن أدب الطب مثل السرد، يركز على تاريخ المرضى وأقاربهم، ويساهم في تعزيز مخيلة الطبيب من خلال ما كتب في الأدب والشعر من قبل أدباء دنماركيين تناولوا هذا الجانب الأدبي في حياتهم وحياة محيطهم.
المسعى الدنماركي لتحسين أداء النظام الصحي في البلاد دخل في تجارب عدة على مدى عقود ماضية. ويمكّن للمتابعين على مدى العقود الثلاثة الماضية أن يلحظوا محاولات عدة في مسعى لإعطاء الوضع الإنساني أولوية، ومنع المرضى وقتاً أطول للحديث قبل التشخيص. والجدير بالذكر أن هذا البلد، أسوة بغيره في البلدان الاسكندنافية، لا يدفع فيه المواطن أي مال لدى زيارته الطبيب. لكل مواطن منذ الولادة، بطاقة صحية يدوّن فيها تاريخ ميلاده ورقم شخصي واسم طبيب الأسرة. المريض في هذه الحالة، حتى لو أحاله الطبيب العام إلى العيادات المتخصصة، يعرف أن الطبيب يتلقى راتبه، كما بقية الموظفين في العيادات، من الدولة، والتي يساهم المواطن نفسه بتمويلها من خلال ضرائب شهرية.
على الرغم من ذلك، ونتيجة الضغط الهائل ونقص الموارد البشرية في القطاع الصحي، تضطر البلاد إلى استقبال أطباء أجانب وتوظيفهم برواتب مغرية في المستشفيات، ما أدى إلى أزمات وسجالات مؤخراً، بسبب ضعف اللغة ومستوى الشهادات التي يحملها خريجون من دول أخرى، من بينهم أطباء من أوروبا الشرقية وعرب متعاقدون، منهم مصريون. بالتالي، هناك مشكلة أساسية بات هذا النظام يشكو منها خلال السنوات الماضية، على الرغم من تحديث وتوسيع وتنظيم البنى التحتية وإقرار موازنات ضخمة لقطاع الصحة.
صحيح أن التأمين الصحي، من المهد إلى اللحد يشمل مواطني البلاد جميعاً، تشير أرقام "المجلس الوطني للصحة" إلى أن نحو 36 في المائة ممن يعانون من أمراض مزمنة هم من ذوي المداخيل المتدنية، ما يعتبره الدنماركيون المناضلون من أجل المساواة مؤشراً على اتساع الفجوة بين الفقراء والأثرياء.
ويشير المجلس إلى أن "52 في المائة ممن لا يملكون شهادات عليا لا يشعرون بالارتياح في ظل معاناتهم من آلام يومية، علماً أن النسبة لا تتجاوز 30 في المائة لدى من استكملوا دراستهم بعد الثانوية".
اقــرأ أيضاً
وتشير دراسات أميركية بين عامي 2012 و2017 إلى أن المهارات المتعلقة بالإنصات للمرضى لدى العاملين في القطاع الصحي ستزداد بشكل كبير إذا ما أتم هؤلاء دورات تعليمية أدبية في السرد والكتابة، تحت مسمى "الطب السردي".
الفجوة والشعور بعدم المساواة بين الأثرياء والطبقة الأكثر حرماناً في الدنمارك، أصبحت مشكلة تستلزم تدخلاً رسمياً. وبحسب تقرير للمجلس الوطني الدنماركي للصحة في عام 2018، بدا واضحاً الربط بين الدراسة ومكان السكن ومستوى الدخل والوضع الصحي للناس، وهو ما أشارت إليه نتائج البحث المتخصص لـ "المركز الوطني للصحة الشعبية" في جامعة آرهوس وسط غرب الدنمارك. وخلص إلى وجود علاقة قوية بين زيادة نسبة الأمراض لدى بعضهم، وضعف المساواة الاجتماعية والبيئة المعيشية للمواطنين. وبشكل عام، يركز البحث على أن الخلفية الاجتماعية ــ الاقتصادية للناس لا تؤثر فقط على الأمراض، بل على كيفية التعامل مع الضعفاء.
ويفيد بحث صادر عن المركز الوطني للصحة الشعبية في جامعة "آرهوس" بأن إدخال الأدب إلى المناهج في جامعة جنوب الدنمارك، لتخريج أطباء المستقبل، يساعد "الأطباء ليصبحوا أكثر قدرة على تحديد القدرات الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة للمرضى، خصوصاً أن هؤلاء يراجعون الأطباء أكثر من غيرهم. أما الطبقة الأقوى القادرة على التعبير عن نفسها، عادة ما يستجاب لها بسرعة وتحول إلى الأطباء المتخصصين".
صحيح أن محاولة جامعة جنوب الدنمارك إدخال الأدب والسرد إلى كلية الطب أمر جديد في البلاد، إلا أنه ليس كذلك في دول أخرى. جامعة كولومبيا في نيويورك خاضت مشروعاً مماثلاً، بإشراف البروفيسورة ريتا شارون، وخلصت إلى أن الأدب مع الطب يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على تطور الخيال لدى الأطباء، ما دفع الجامعة الدنماركية إلى خوض التجربة.
ومنذ عام 2016، أدخلت الجامعة طلاب الطب في مرحلة تجريبية وفرضت عليهم مقرر "أدب السرد والخيال". والهدف من التجربة جعل أطباء المستقبل أكثر قدرة على الاستماع إلى المرضى خلال سردهم لمسار أمراضهم.
وبموجب هذا التعديل المعلن عنه خلال الأيام القليلة الماضية، وإدخال مادة الأدب إلزامياً، سيتوجب على الملتحقين بالسنة الأولى لدراسة الطب البدء بدراسة مراجع أدبية للأديبين الدنماركيين ميكال يوسيفين وكلاوس لونغورد حول "أدب المرض"، والمتعلّق أساساً بحالة الإنسان الذي يعيش ظروفاً اجتماعية غير صحية نفسياً وعصبياً، وكيفية معايشة الناس للأمراض في المحيط والأسرة، أو مع الذات. المقرّر الجديد لا يعني أن الطلاب لن يدرسوا التشريح وعلوم الأمراض وعلم المناعة، على الرغم مما أثارته التجربة من استغراب الطلاب خلال المحاضرة التجريبية الأولى في السادس من مارس/ آذار الجاري، خصوصاً الذين تمّ قبولهم صيف العام الماضي 2018 لدراسة الطب.
الطب السردي بحسب البروفيسور المشارك في تعليم الأدب للأطباء، بيتر سيمونسن، يهدف إلى جعل "الإنسان أولاً"، ويلزم الطلاب بثلاث حصص أسبوعياً، بمشاركة أطباء وأدباء وباحثين. ويقول سيمونسن في تصريحات لصحف دنماركية: "الفكرة بسيطة جداً. من خلال الأدب، سنعمل على تعزيز مخيلة الطلاب، وسيصبح لدى أطباء المستقبل قدرة كبيرة على الإنصات الجيد، ومعايشة معاناة المرضى. وفي النهاية، يكون التشخيص أفضل".
وترى الجامعة أن أدب الطب مثل السرد، يركز على تاريخ المرضى وأقاربهم، ويساهم في تعزيز مخيلة الطبيب من خلال ما كتب في الأدب والشعر من قبل أدباء دنماركيين تناولوا هذا الجانب الأدبي في حياتهم وحياة محيطهم.
المسعى الدنماركي لتحسين أداء النظام الصحي في البلاد دخل في تجارب عدة على مدى عقود ماضية. ويمكّن للمتابعين على مدى العقود الثلاثة الماضية أن يلحظوا محاولات عدة في مسعى لإعطاء الوضع الإنساني أولوية، ومنع المرضى وقتاً أطول للحديث قبل التشخيص. والجدير بالذكر أن هذا البلد، أسوة بغيره في البلدان الاسكندنافية، لا يدفع فيه المواطن أي مال لدى زيارته الطبيب. لكل مواطن منذ الولادة، بطاقة صحية يدوّن فيها تاريخ ميلاده ورقم شخصي واسم طبيب الأسرة. المريض في هذه الحالة، حتى لو أحاله الطبيب العام إلى العيادات المتخصصة، يعرف أن الطبيب يتلقى راتبه، كما بقية الموظفين في العيادات، من الدولة، والتي يساهم المواطن نفسه بتمويلها من خلال ضرائب شهرية.
على الرغم من ذلك، ونتيجة الضغط الهائل ونقص الموارد البشرية في القطاع الصحي، تضطر البلاد إلى استقبال أطباء أجانب وتوظيفهم برواتب مغرية في المستشفيات، ما أدى إلى أزمات وسجالات مؤخراً، بسبب ضعف اللغة ومستوى الشهادات التي يحملها خريجون من دول أخرى، من بينهم أطباء من أوروبا الشرقية وعرب متعاقدون، منهم مصريون. بالتالي، هناك مشكلة أساسية بات هذا النظام يشكو منها خلال السنوات الماضية، على الرغم من تحديث وتوسيع وتنظيم البنى التحتية وإقرار موازنات ضخمة لقطاع الصحة.
صحيح أن التأمين الصحي، من المهد إلى اللحد يشمل مواطني البلاد جميعاً، تشير أرقام "المجلس الوطني للصحة" إلى أن نحو 36 في المائة ممن يعانون من أمراض مزمنة هم من ذوي المداخيل المتدنية، ما يعتبره الدنماركيون المناضلون من أجل المساواة مؤشراً على اتساع الفجوة بين الفقراء والأثرياء.
ويشير المجلس إلى أن "52 في المائة ممن لا يملكون شهادات عليا لا يشعرون بالارتياح في ظل معاناتهم من آلام يومية، علماً أن النسبة لا تتجاوز 30 في المائة لدى من استكملوا دراستهم بعد الثانوية".
وتشير دراسات أميركية بين عامي 2012 و2017 إلى أن المهارات المتعلقة بالإنصات للمرضى لدى العاملين في القطاع الصحي ستزداد بشكل كبير إذا ما أتم هؤلاء دورات تعليمية أدبية في السرد والكتابة، تحت مسمى "الطب السردي".
الفجوة والشعور بعدم المساواة بين الأثرياء والطبقة الأكثر حرماناً في الدنمارك، أصبحت مشكلة تستلزم تدخلاً رسمياً. وبحسب تقرير للمجلس الوطني الدنماركي للصحة في عام 2018، بدا واضحاً الربط بين الدراسة ومكان السكن ومستوى الدخل والوضع الصحي للناس، وهو ما أشارت إليه نتائج البحث المتخصص لـ "المركز الوطني للصحة الشعبية" في جامعة آرهوس وسط غرب الدنمارك. وخلص إلى وجود علاقة قوية بين زيادة نسبة الأمراض لدى بعضهم، وضعف المساواة الاجتماعية والبيئة المعيشية للمواطنين. وبشكل عام، يركز البحث على أن الخلفية الاجتماعية ــ الاقتصادية للناس لا تؤثر فقط على الأمراض، بل على كيفية التعامل مع الضعفاء.
ويفيد بحث صادر عن المركز الوطني للصحة الشعبية في جامعة "آرهوس" بأن إدخال الأدب إلى المناهج في جامعة جنوب الدنمارك، لتخريج أطباء المستقبل، يساعد "الأطباء ليصبحوا أكثر قدرة على تحديد القدرات الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة للمرضى، خصوصاً أن هؤلاء يراجعون الأطباء أكثر من غيرهم. أما الطبقة الأقوى القادرة على التعبير عن نفسها، عادة ما يستجاب لها بسرعة وتحول إلى الأطباء المتخصصين".
صحيح أن محاولة جامعة جنوب الدنمارك إدخال الأدب والسرد إلى كلية الطب أمر جديد في البلاد، إلا أنه ليس كذلك في دول أخرى. جامعة كولومبيا في نيويورك خاضت مشروعاً مماثلاً، بإشراف البروفيسورة ريتا شارون، وخلصت إلى أن الأدب مع الطب يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على تطور الخيال لدى الأطباء، ما دفع الجامعة الدنماركية إلى خوض التجربة.