يعيش غريباً ويلبس غريباً ويمشي غريباً، وحتى الموسيقى، التي يتقن على وقعها تقليد الممثل الأميركي جوني ديب في شخصية القرصان "جاك سبارو"، غريبة.
أسامة الحسني (26 عاماً) شاب من مدينة آسفي في شمال المغرب، قرّرت عائلته أن ترسله إلى مستشفى الأمراض العقلية لأنه خرج عليهم من غرفته بزيّ القرصان "جاك سبارو"، الشخصية الرئيسة في سلسلة أفلام "قراصنة الكاريبي". فزع والده، بينما ندبت والدته حالها: "يا ويلي على ولدي، تسطّى (جنّ) خرج له العقل". لكنّ "جاك سبارو" المغربي حاول أن يوصل لهم رسالة أنّ ما فعله فنّ.
أنهى أسامة دراسة الصف التاسع وانتسب إلى مركز تدريب مهني ليتعلّم الحدادة ويحصل على دبلوم مهني. تعلّم أيضاً قيادة السيارات وتقدّم للتطوع في الجيش ولم يقبل. عمل بعد ذلك حارساً أمام عمارة بعد فشله في الحصول على وظيفة أهم، لكنّه لم يتحمّل متاعب السهر والحفاظ على الأمن فترك الحراسة. بات يتسلى بمشاهدة الأفلام على "يوتيوب" فصادف أفلام "قراصنة الكاريبي". يقول لـ"العربي الجديد": "أعجبت بشخصية جاك سبارو وطريقة لبسه وحركاته، لكنّني وجدت صعوبة في توفير تلك الملابس، فطلبها من الخارج سيكلّفني الكثير. ذهبت إلى سوق الملابس البالية، وبدأت في جمع القطع واحدة واحدة. ثم جلبت شعراً مستعاراً طويلاً يشبه شعر جاك سبارو، ثمّ اشتريت كحلاً خاصاً، بعدما أتقنت لبس الشخصية وخرجت أمام والدتي. لم يعجبها الأمر واعتقدت أنّي جننت، وقررت مع والدي إرسالي إلى مستشفى الأمراض العقلية. وعندما خرجت من المنزل قابلني أصدقائي والمارّة وفرحوا بزيي والتقطوا الصور لي". يضيف: "ما زلت أبحث عن صندوق قديم يمثل الكنز وخريطة ورقية حتى تكتمل الشخصية".
عندما وصل أسامة إلى طنجة بعد نقاشه مع والديه أمضى 15 يوماً في منزل أخيه جمع خلالها نحو 2000 درهم (200 يورو) من ظهوره في الشارع وعاد بها إلى آسفي. يقول: "ذهبت مباشرة إلى السوق واشتريت أربع نعاج حملتها في عربة إلى العزيب (مكان مخصص لتربية المواشي) الذي يملكه والدي ويربيّ فيه الخيول. أردت أن أثبت لهم أنّ زيّ القرصان يأتي بالمال". يتابع: "بدلاً من شراء هاتف جديد اشتريت لهم النعاج وأخبرتهم أنّ زيّ القرصان الذي أهانوه جلب المال لهم". وماذا عن ردة فعلهم؟ يجيب أسامة: "صدموا، وقالوا: بارك الله فيك يا ولدي... وباتوا يحترمونني بعدها".
بعد عودته إلى آسفي بيومين، ذهب أسامة إلى مهرجان كناوة في الصويرة. وهي مناسبة يجتمع فيها هيبيو العالم، جمع خلالها نحو 10 آلاف درهم (ألف يورو): "صدم أهلي عندما عدت لها بهذا المال واعتقدوا أنّي أسرق".
من خارج البيت ودائرة الأصدقاء إلى مجتمع مليء بالسخرية من كلّ ما هو مختلف، تطلّب الأمر شجاعة هائلة من أسامة، ومعها التحلّي بالصبر، كي لا يقع ضحية التهكم. يتجاهل ذلك ويستمع إلى الموسيقى عوضاً عن "الكلام الفارغ" على حدّ تعبيره.
واجه أسامة فصولاً من التهكم والاستخفاف، أولها عندما طلب من بائع في مراكش أن يريه مسدساً بلاستيكياً: "أعجبني المسدس وهو ملائم لزيّ القرصان. نهرني مالك المحل واعتقد أنّي لا أملك المال. عندما سألته عن سعره وأجابني بـ70 درهماً (سبعة يورو) أخرجت له ألف درهم من جيبي، أعطيته منها مائة وتنازلت عن المبلغ المتبقي، إلّا أنني طلبت منه عدم الاستهزاء بالناس وملابسهم".
أمام "سور المعكازين" في طنجة اقترب منه مصور فوتوغرافي، وبعدما تعرف به، قال له: "ملابسك كملابس الكفار، وأسامة مسلم يجب أن يرتدي كالمسلمين". فأجابه أسامة: "هذه الملابس رفعت من شأني في هذه البلاد، وأجمع بسببها المال من دون أن أضطر إلى السرقة أو التسول، وقد أنقذتني من مواقف عدة، أمّا الدين فدعه جانباً لأن الله لا ينظر إلى مظهرنا بل إلى قلوبنا".
يحلم سبارو المغربي أن يعيش في مجتمع تتعامل فيه الناس بلطف، لكنّ الحلم ليس كالحقيقة المليئة بالإهانة: "الأجنبي يفهم أن ملابسك عبارة عن فنّ بحد ذاتها، أمّا في مجتمعنا فيعتقدون أنّك مجنون وقد يمنعونك من الدخول حتى إلى الأماكن العامة. عندما ذهبت إلى مغارة هرقل بطنجة، أوقفني الحارس وأوصاني بألّا أجمع الناس حولي. طلب مني القيام بجولة سريعة فحسب محتقراً هيئتي وسألني عن رخصة وإذن. كذلك، واجهت احتقار مجموعة من المغنين في أصيلة اعتقدوا أنّي سأقطع عليهم رزقهم، لكنني اقتسمت معهم أرباحي في نهاية اليوم".
المشهد المثير عندما أوقفه شرطيّ في مدينة الدار البيضاء وأخبر المركز بأنّ ثمّة شاباً يحمل مسدساً وسيف ساموراي. يقول: "أوضحت له أنّهما مسدس وسيف بلاستيكيان للديكور. مع ذلك، اصطحبني إلى المركز للتحقيق وقضيت ساعات طويلة عندهم. بعد خروجي عملت عدّة أيام في الدار البيضاء، وكان ذلك جيداً بل طلبت مطاعم ومقاهٍ خدماتي لكنني لم أقبل، لأنّني أفضل العمل الحرّ".