جاك ريغو هو إحدى الشخصيات الأكثر صخباً في الوسط الأدبي الفرنسي خلال عشرينيات القرن الماضي؛ الشاعر الدادائي (1898-1920) الذي انتحر قبل أن يكمل الثلاثين محدّداً مكان قلبه بالمسطرة قبل أن يطلق الرصاصة عليه لكي لا يخطئه.
ظلّت حياته وأشعاره مهملة لوقت طويل، وها هي دار "غاليمار" للنشر في باريس تعود إليه وتقدّم قصته في الحياة والأدب في كتاب صدر مؤخراً تحت عنوان "جاك ريغو: الانتحار الرائع" للكاتب والصحافي الفرنسي جان لوك بيتون (1959)، وبمقدّمة كتبتها الشاعرة والناقدة الفرنسية آني لو برون (،1942).
وُلد ريغو في عائلة من البرجوازية الصغيرة الباريسية، ولطالما قال إنه بلا أسرة، هكذا عاش وهكذا شعَر خلال سنوات عمره القصيرة، درَس في مدارس مرموقة قبل أن يلتحق بالجيش خلال الحرب العالمية الأولى، وحين عاد منها التحق بكلية الحقوق في "جامعة السوربون" وهناك يتعرف بسيمون كان، (زوجة أندريه بريتون) والتي ستصحبه إلى مقهى "سيرتا" حيث يجتمع الدادئيون، وهناك يتعرّف إلى جان كوكتو ودريو لا روشيل، ثم يبدأ في التردّد على المكان إلى أن يصبح واحداً منهم.
بالنسبة إلى ريغو ،كان يرى أن الدادائية ممتعة وأنه قبل أن يعرفها كان دادئياً بطبيعته، وتشكّل لديه طريقة رائعة للكتابة والعيش. في مطلع العشرينيات يكتشف العقاقير والمخدرات فيصبح مدمناً عليها، وحين انتحر كان في إحدى دور إعادة التأهيل للتخلّص من إدمانه.
يعتبر المؤلّف ريغو أحياناً "كاتبًا بلا كتابة"؛ نشر ثمانية نصوص في حياته في مجلات الدادائية، ثم غادر إلى نيويورك ليتزوج امرأة أميركية ثرية محاولاً أن يصنع ثروة هناك بنفسه، متخلياً عن الكتابة وفي طريقه إلى مغامرة الحياة والثروة مثلما فعل رامبو من قبله.
على الرغم من أن منشوراته قليلة، إلا أنها بحسب الكاتب كانت مصدراً كبيراً لإلهام للفنانين، فنجد روشيل يكتب عنه نصوص "الحقيبة الفارغة"، ويقدّم فيها صورة عنيفة حول الشخص الذي كان صديقه، كما يصدر كتاباً يجري اقتباسه لفيلم سينمائي للمخرج لويس مال بعنوان "النار في الداخل" (1963)، وفيه يتتبع الساعات الأخيرة لحياة ريغو.
نصوص ريغو كانت كلها مليئة بالأفكار عن الموت والانتحار، وعناوين بعض منها إعلان للموت مثل قصيدة "الوكالة العامة للانتحار" أو "أوراق ما بعد الوفاة"، وسنقرأ له في إخدى قصائده عبارة "ينبغي أن يكون الانتحار مهنة".