جاسم زيني: في مغامرة التأسيس

02 نوفمبر 2018
(من المعرض)
+ الخط -

لا يمرّ باحث على تجربة جاسم زيني (1942 - 2012) إلا ويتوقّف عند البدايات الحقيقية لـ الفن التشكيلي في قطر الذي كانت لهذا الفنان مساهمته الأولى والأساسية فيه، والتي تأخذ مسارات عدّة، منذ تخرّجه من "أكاديمية الفنون الجميلة" في بغداد عام 1968.

في نهاية الستّينيات، نُصبت جداريات زيني التي نفّذها بالفيسفساء في ساحات المدارس التي افتتحت حينها في الدوحة، وتضمّنت مشاهدات واقعية من الحياة اليومية في البلد الناشئ، وكلّها ترمز إلى أهمية العلم والتحديث في بناء المجتمعات. وفي الفترة ذاتها، رسم الكاريكاتير وصمّم أغلفة المجلّات لأولى أعداد مجلّة "الدوحة" الثقافية، وكان فاعلاً في الصحافة القطرية منذ انطلاقتها.

اهتمّ في العقد اللاحق برصد التحوّلات التي يعيشها مجتمعه، وفهم الصراع مع البيئة وأهمّها لوحات البحر، والصراع داخل البنى الاجتماعية والطبيعة والعمارة في شكلها التقليدي، في تنويع بين مدارس فنية عديدة ربما تكون الواقعية والتجريد في مقدّمتها، مع أعمالٍ تقترب من التعبيرية والسوريالية.

عمل زيني، أيضاً، أميناً لـ"متحف قطر الوطني" منذ تأسيسه عام 1975، ثمّ انتقل إلى إدارة الآثار، ثم مديراً لإدارة المتاحف والتراث، كما أسّس "الجمعية القطرية للفنون التشكيلية" عام 1981، وكان أول رئيس منتخب لها. وفي تلك الفترة كان له دوره في إيفاد عشرات الطلبة لتعلّم الفنون في الخارج.

"جاسم زيني: تصوير وتجريد" عنوان المعرض الذي يتواصل في "المتحف العربي للفن الحديث" في الدوحة حتى السادس عشر من شباط/ فبراير المقبل، مستكشفاً توجُّهَين إبداعيَّين تبنّاهما الفنان على مستوى الشكل خلال مسيرته الممتدة بين عامي 1967 و2012.

يضمّ المعرض العديد من المواد الأرشيفية والمقابلات التي أُجريت معه، ليأتي بمثابة دراسة معمّقة لأربعين عملاً جرى اختيارها وتصنيفها ضمن قسمَين: الأول يركّز على أعمال يصفها زيني بأنها تتبنّى "الواقعية المتطوّرة"، وهو مصطلح يستخدمه لوصف المقاربة التي يتبنّاها لتوثيق ملاحظاته للمشاهد التي تُظهر العلاقة الإنسانية والهوية الثقافية وعملية التحديث، من خلال أشكال بصرية مبسطة وإعادة ضبط التفاصيل الواقعية من أجل تسليط الضوء على الموضوع الفني.

أما القسم الثاني، فيعرض تجارب متنوّعة في فن التجريد، بدءاً بالحروف ووصولاً إلى استخدام مواد معاد تدويرها، وهو ما يصفه زيني بـ"الفن من أجل الفن"، ومنها لوحته "ملامح قطرية".

استكشف زيني لغة مفاهيمية تبحث في علاقة الإنسان الجدلية مع البيئة، والتغييرات الجذرية الناتجة عن التحديث السريع الذي شهدته الحياة في قطر بعد اكتشاف النفط وتأسيس الدولة بين خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهي فترة شهدت تبدّلات سريعة في الحياة على المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

المساهمون