اختارت "المحافظة السامية للأمازيغية"، وهي هيئة رسمية تُعنى بالثقافة واللغة الأمازيغيّتين في الجزائر، الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها، للإعلان عن إطلاق جائزة للأدب واللغة الأمازيغيَّين، قالت إنها "حظيت بموافقة رئيس الجمهورية على رعايتها"، مضيفةً، في بيانٍ لها، أنَّ الجائزة "تهدف إلى تشجيع البحث والإبداع النوعيَّين اللذين يهدفان إلى إثراء اللغة الأمازيغية والإسهام في نشرها وترقيتها، سواء كانت هذه الأعمال مؤلَّفةً بالأمازيغية أم مترجَمةً إليها".
يأتي الإعلان عن الجائزة الجديدة، مؤخراً، في سياق جدال سياسي وثقافي محتدم في الجزائر على خلفية طرح مسوّدة مشروع الدستور الجديد للنقاش، والذي جاء ليُكرّس الأمازيغية لغةً رسمية إلى جانب العربية، وأدرجها ضمن خانة "المواد الصمّاء" غير القابلة للتعديل أو الإلغاء أو حتى النقاش مستقبلاً.
ورغم أن الدستور الحالي، الذي جرى تعديله في 2016، ينصُّ صراحةً في مادته الرابعة على أن "تمازيغت هي كذلك لغةٌ وطنية ورسمية، تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللسانية المستعمَلة عبر التراب الوطني"، إلّا أن النقاش ساعتَها لم يكن بالحدّة التي هو عليها الآن، لأن التعديل حينها مرّ عبر البرلمان، ولم يجرِ بشأنه استفتاءٌ شعبي، مثلما تزمع تنظيمه السلطات الجزائرية هذه المرّة.
وهذا الجدالُ الطويلُ بات جزءاً من المشهد العام في البلاد منذ حزيران/ يونيو الماضي؛ حين حذّر رئيس أركان الجيش الراحل، أحمد قايد صالح، المتظاهرين من رفع أيّةِ أعلامٍ غير العلَم الوطني، ثمّ تلت تصريحاتِه حملةُ اعتقالاتٍ واسعةٌ استهدفت نشطاء رفعوا الراية الثقافية الأمازيغية.
ولم تكن "دسترة" الأمازيغية لغةً رسمية عام 2016، إلّا تتويجاً لتاريخ طويل من النضال الثقافي والسياسي، عرف محطّات دموية، أبرزها أحداث الربيع الأمازيغي في 20 نيسان/ إبريل 1980؛ عندما أقدمت السلطات في مدينة تيزي وزو (100 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة) على منع محاضرة للروائي والباحث الراحل مولود معمري تتناول شعر سي مْحَنْد أُو مْحَنْد؛ أكبرِ وأشهرِ شاعر كتب بالأمازيغية وعاش في القرن التاسع عشر. والجامعة التي مُنع معمري من إلقاء محاضرة فيها أصبحت الآن تحمل اسمه بعد رحيله عن عالمنا عام 1989.
وجاءت أحداث ما عُرف بـ"الربيع الأسود" عام 2001، في ذكرى الربيع الأمازيغي، وكانت أكثر دموية واستمرت طويلاً، وقد أُجبرت السلطات على التفاوض مع المتظاهرين، وأسفرت عن تعديل جزئي للدستور الجزائري عام 2002، أصبحت بموجبه الأمازيغية "لغة وطنية" قبل أن تصبح "وطنية ورسمية" في 2016.
وبين "الربيعَين"، كانت السلطة الجزائرية قد أسّست في السابع والعشرين من أيار/ مايو 1995 "المحافظة السامية للأمازيغية"، وهي الأكاديمية التي بادرت هذه المرّة إلى تأسيس "جائزة الأدب واللغة الأمازيغيَّين".