ثورة سجن حماة: نجاح تمدّده غير مستحيل

27 مايو 2016
يعاني المعتقلون في السجون من ظروف إنسانية صعبة (Getty)
+ الخط -
تحوّل عصيان معتقلي سجن حماة المركزي، إلى سابقة في سجون النظام السوري، مع نجاح المعتقلين في إجبار النظام على الخضوع للعديد من مطالبهم، على الرغم من استمراره في المناورة ومحاولة الإخلال بوعوده. هذا النجاح لم يتحقق في احتجاجات وتحركات سابقة شهدتها سجون سورية أخرى، لظروف متعددة، ليصبح عصيان سجن حماة المركزي نموذجاً من الممكن أن يمتد إلى معتقلات أخرى للنظام في حال توفر ظروف ملائمة.
ووصل مجموع المفرج عنهم من معتقلي سجن حماة المركزي منذ انطلاق العصيان بداية الشهر الحالي، إلى نحو 125 معتقلاً من أصل أكثر من 800 سجين سياسي في السجن، على الرغم من أن النظام أخلّ بوعوده للمعتقلين بإطلاق أعداد كبيرة منهم، أمس الخميس، مقابل إنهاء عصيانهم، وأطلق سراح أربعة سجناء فقط.
وكان المعتقلون في السجن ينتظرون إطلاق دفعة كبيرة منهم بعد الوعود التي تلقوها من إدارة السجن وقائد شرطة حماة بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وإنهاء ملف السجن نهائياً قريباً، وذلك بعد أن سيطروا، أمس الأول الأربعاء، مجدداً على مبنى السجن الذي يحوي المهاجع، قبل أن يوافقوا على تعليق العصيان حتى يوم أمس، الخميس.
وقال رئيس الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين فهد الموسى، لـ"العربي الجديد"، إن عدم إطلاق سراح أي معتقل خلال الأيام الماضية، خلافاً للاتفاق السابق الذي قضى بالإفراج يومياً عن دفعة من المعتقلين، أثار استياء المعتقلين، ما دفعهم، عصر الأربعاء، إلى احتجاز ضابط برتبة مقدّم وثمانية عناصر من السجن، إضافة إلى السيطرة على كامل السجن، قبل أن يحضر قائد الشرطة ويستدعي ثلاثة من ممثلي المعتقلين، ويتصل أمامهم بوزير الداخلية الذي أخبرهم بأن ملف السجن سيُبحث مع الأمن القومي ومع رئيس محكمة الإرهاب القاضي رضا موسى، وستتم تسوية ملفات جميع المعتقلين.
ثم اجتمع قائد الشرطة مع ممثلين عن المعتقلين، وتوصل معهم إلى اتفاق جديد يقضي بتعليق العصيان، على أن تصدر الخميس (أمس) دفعة أسماء كبيرة بعد اجتماع الأمن القومي بدمشق مع محكمة الإرهاب، لزيادة أعداد المخلى سبيلهم، ووعدهم بأن يتم تسريع الإجراءات، خصوصاً بالنسبة للحالات التي فيها أكثر من معتقل من العائلة الواحدة، إضافة إلى موضوع المعتقلين الموجودين لصالح المحكمة الميدانية.
وبحسب الموسى، قال السجناء إنهم مصممون على أن يُفرج عنهم جميعاً، أو يموتوا جميعاً في السجن، وإنهم لا يثقون أبداً بوعود النظام لأنه يخل بها دائماً. وطلب المعتقلون من قائد الشرطة تدخّل الهلال الأحمر لنقل المعتقلين إلى مناطقهم، لكنه رفض ذلك، وأبلغهم بأن ملف سجن حماة بات بيد وزارة الداخلية، ولم يعد لوزارة العدل علاقة بهذا الأمر. وأضاف الموسى أن الطرفين اتفقا بعد ذلك على تعليق العصيان، وإطلاق سراح الضابط وعناصر الشرطة المحتجزين كبادرة حسن نية من قِبل المعتقلين، مع بقاء جميع أفراد الشرطة والضباط خارج الباب الرئيسي الداخلي، وبقاء الباحات والغرف مفتوحة، ومن دون إجراء أي تأمين أو تفقد أو تدخّل لإدارة السجن داخل جناح المعتقلين.
ولفت إلى أن ضباطاً رفيعي المستوى حضروا، صباح أمس الأول الأربعاء، إلى سجن حماة المركزي، وهم مكلفون من القصر الجمهوري وبإشراف وزير العدل، لإجراء تحقيق عن أسباب العصيان في السجن، علماً أنه كانت هناك لجنة مماثلة سابقة أنهت أعمالها منذ أسبوع، معرباً عن اعتقاده بأن الغاية من هذه اللجان الأمنية دراسة أسباب العصيان، وكيفية تفادي أعمال مماثلة في سجن حماة والسجون الأخرى.
وتحدث الموسى عن حالات العصيان التي شهدتها السجون الأخرى، فلفت إلى أنه منذ العام 2012 جرت في سجن حمص عشر حركات احتجاج وعصيان وإضراب عن الطعام، وسيطر المعتقلون هناك على السجن القديم وقاموا بإدارته ذاتياً لأكثر من سنة ونصف، كما شهد العام 2014 إضراباً شاملاً عن الطعام، حضر على أثره إلى السجن ممثل رئيس النظام نواف الملحم ووعدهم أن يكون الجميع في منازلهم قبل عيد الفطر بتسوية أو عفو خاص، لكن لم يتم الإفراج سوى عن أعداد قليلة من المعتقلين، تبيّن في ما بعد أنهم دفعوا مبالغ طائلة لأشخاص في الأمن القومي أو لجان الدفاع الوطني، وكان أشهر السماسرة آنذاك المحامي كنان عباس. وأضاف: بعد فترة وجيزة توقفت الإفراجات، وتم الغدر بمئة معتقل نقلوا من سجن حمص إلى فرع أمن الدولة بحمص على أن يخلى سبيلهم مباشرة من هناك، إلا أنهم ما زالوا حتى الآن في الأقبية السرية للفرع. وأوضح الموسى أن هناك معتقلين من سجن حمص اقتادتهم الشرطة العسكرية لحضور جلسات محكمة الإرهاب بدمشق، فقامت المحكمة بتلفيق تهم جديدة لهم، وأودعتهم سجن عدرا ولم يعودوا إلى سجن حمص المركزي.


ورأى أن الأسباب الحقيقية لعدم تحقيق احتجاجات سجن حمص أية نتائج إيجابية، أنه لم يكن لهم آنذاك أية مناصرة إعلامية أو سياسية دولية، خلافاً لسجناء حماة الذين ترافق عصيانهم مع انعقاد مباحثات جنيف، وكانت مطالب المعتقلين جزءاً من القرار الأممي 2254 الذي تضمن إطلاق سراح جميع المعتقلين، فيما تسعى روسيا إلى تبييض صورة النظام في هذا الملف، إضافة إلى محاولة تلميع صورة نواف الملحم الذي يقوم بالوساطة بين معتقلي سجن حماة والنظام، وصورة معارضة حميميم المحسوبة على روسيا، بهدف إدخالها في حل ملف المعتقلين، وإكسابها قبولاً شعبياً. وأوضح أن النظام فوجئ بعصيان سجن حماة لأنه قام قبل سنة بترحيل تعسفي لعشرين معتقلاً من سجن حماة وزعهم على سجني اللاذقية والسويداء، وكان يعتبرهم المحرك لأي عصيان محتمل في السجن.
وأعرب الموسى عن اعتقاده بأن مبادرة كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية المفاوض محمد علوش، لتبادل أسرى النظام الموجودين لدى "جيش الإسلام" مع معتقلي سجن حماة، أحرجت المجتمع الدولي والنظام الذي تجاهل مصير أسراه عند "جيش الإسلام" وقبِل بتطبيق الاتفاق حتى يحصر الأمر بسجن حماة ويتفادى بذلك فتح ملف المعتقلين على مستوى سورية، وإجراء عملية تبادل كاملة للأسرى الموجودين لدى الفصائل مقابل المعتقلين الموجودين لدى النظام الذين يعتبرهم رهائن يساوم عليهم في الملف السياسي.
وفضلاً عما سبق، أوضح الموسى أن هناك ظروفاً محلية ولوجستية ساعدت على نجاح عصيان سجناء حماة حتى الآن وفشله في السجون الأخرى، مشيراً إلى أن العصيان في سجن حماة ينظمه ويقوده عادة السجناء السياسيون الذين يلقون دعماً ومساندة من بقية الأجنحة في السجن من أصحاب الجرائم العادية، لأن بقية المحكومين والموقوفين في سجن حماة يتعاطفون مع المعتقلين السياسيين، وهم من أبناء مناطقهم، وهؤلاء وإن كانوا مجرمين، إلا أن أهاليهم في حمص وحماة يتعرضون للقصف والمجازر والحصار والتجويع، وبالتالي لديهم نقمة على النظام ويتعاطفون مع المعتقلين السياسيين.
وأشار إلى أن جميع المعتقلين يعرفون بعضهم بعضاً، ولا يمكن بالتالي لأجهزة الاستخبارات أن تزرع مخبرين بينهم، حيث هناك عملية فرز دائمة بين المعتقلين، وأي شخص يُشك بأنه عميل للاستخبارات، يتم طرده خارج الجناح بطريقة أو بأخرى، لذلك لا يمكن مراقبة نيات المعتقلين وتحركاتهم بشكل جيد من قِبل إدارة السجن وأجهزة الاستخبارات.
أما بقية السجون، مثل اللاذقية وطرطوس والسويداء، فبحسب الموسى، لا يمكن لجناح المعتقلين أن يقوم بأي تمرد لأنه لا يلقى أي دعم من بقية أجنحة المحكومين من الجرائم الجنائية، بل على العكس فإن السلطات داخل السجن تستعين ببقية السجناء المؤيدين لها لقمع أي احتجاج داخل السجن، وهناك تشبيح يومي داخل السجن على المعتقلين، بالتعاون مع إدارة السجن ومؤسسة الاتصالات. أما الهواتف الخليوية فهي مراقبة من قبل السجناء المؤيدين للنظام، ويتم فرض إتاوات على المعتقلين لصالح بعض السجناء المتنفذين ضمن سياسة ممنهجة من إدارة السجن لإنهاك المعتقلين بشكل عام. كما يمكن لإدارة السجن وأجهزة الاستخبارات زرع عملاء بين المعتقلين لمراقبة أحاديثهم وتحركاتهم.
أما في سجن عدرا المركزي بدمشق، فأشار الموسى إلى وجود فرع كامل للاستخبارات بداخله لمراقبة المعتقلين والتحقيق معهم والتنكيل بهم، وفرض جو من الرعب عليهم بشكل دائم، فضلاً عن التضييق على الهواتف المحمولة، لافتاً إلى أن سجن عدرا كبير وفيه معتقلون من كل سورية وبأعداد كبيرة، وأغلبهم لا يعرفون بعضهم، ولا توجد ثقة بينهم، وتستطيع الاستخبارات زرع عملاء بينهم ينقلون لإدارة السجن كل حركة وكلمة يقوم بها المعتقلون.
وأوضح الموسى أن سجون حلب ودير الزور ودرعا، تقع ضمن مدن محاصرة بالأصل، والسجن يكون جزءاً من المربع الأمني ويخضع لإدارة الحواجز العسكرية والجيش، حتى أنه في إحدى الفترات لم يدخل طعام لسجن حلب لمدة أشهر، لذلك لا توجد أية إمكانية لإدخال هواتف محمولة لهذه السجون والتواصل مع العالم الخارجي.
وعن بقية السجون، قال الموسى إنها سجون عسكرية وأفرع استخبارات ومعسكرات اعتقال في المطارات والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وهي تماثل معسكرات الاعتقال النازية، وأغلبها لا يُسمح فيها بزيارات للأهالي، ولا تكون مع المعتقلين أي أموال لدفع رشى لإدخال الهواتف، ويفتقدون للقوة البدنية التي تجعلهم يفكرون بالتمرد نتيجة ضعف أجسادهم بسبب سوء التغذية. وأعطى مثلاً على ذلك، وضع المعتقلين في معسكر دير شميل وفي معسكر مطار حماة العسكري، حيث لا تتعدى وجبة طعامهم اليومية حبة زيتون واحدة، وربع رغيف خبز وعشرين غرام برغل أو رز، وهذا النظام الغذائي هو نوع من أنواع التعذيب حتى الموت وهو ينطبق على كل معسكرات الاعتقال السرية وأفرع الاستخبارات.
وحول أسباب استجابة السلطات لمطالب المعتقلين في سجن حماة بتبديل مدير السجن العميد زياد المحمد، وتعيين العقيد جاسم الخلف مكانه، أوضح الموسى أن ذلك يعود إلى فشل المحمد في منع حصول العصيان بالسجن على الرغم من الأساليب القمعية التي اتبعها، وليس استجابة لمطالب المعتقلين.
كما لفت الموسى إلى أن النظام يسيطر على مدينة حماة، والأوضاع مستقرة فيها مدنياً واقتصادياً، وأي مجزرة داخل السجن قد تقود إلى اضطرابات في المدينة، وقد تتحوّل إلى انتفاضة شعبية كما حصل في العصيان المدني عام 2011، خصوصاً أن فصائل حماة أكدت استعدادها لإدخال عناصر انغماسية إلى داخل المدينة لمساعدة المعتقلين داخل السجن، وهذه العملية وإن كانت خاسرة، إلا أنها تربك الوضع الأمني للنظام.


المساهمون