ثورة بلا نجوم

25 يناير 2015
الشعب المصري في ثورة 25 يناير (Getty)
+ الخط -
بقيت ثورة 25 يناير بلا نجوم، بعدما انقلب ربيع المدّ الشعبيّ في دول عربية كثيرة إلى خريف الصراعات العسكرية أو شتاء الحروب الأهلية التي لا يبدو أنّ نهايتها قريبة، إن في اليمن أو في سورية أو في ليبيا أو البحرين...

في مصر ضرب الشبّان والشابات وجه الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك بـ "الشبشب" في الساحات وهو لمّا يزل رئيساً. شتموا الرئيس المعزول محمد مرسي في الساحات وهو لمّا يزل رئيساً. وها هم اليوم يعدّدون أخطاء ومساوئ انقلاب الرئيس عبد الفتّاح السيسي.

فقط في مصر "نجم" الثورة هو الشارع. ليس زعيماً كما هو "حوثيّ" اليمن، في رحلة الانقضاض على الثورة اليمنية، بعدما أطاحت بنظام علي عبد الله صالح في بدايتها. وليس شاباً مجهولاً هو محمد البوعزيزي كما في تونس، التي "طردت" زين العابدين بن علي بلا دماء تقريباً. وليس نظاماً برأس بشّار الأسد وأذرع لبنانية وعراقية وإيرانية وسورية كما هو "النظام السوري". وليس قبائل كما هي الأمور في ليبيا، حيث الصراعات على النفط...

في مصر الشارع هو النجم الأوحد ولا أحد غيره. هو الذي رفع أسماءً ثم أنزلها من عليائها في لحظة واحدة. وهو الذي رفض، أو عجز، أو فشل في، أن يخرج منه "نجماً" واحداً وأوحد طوال السنوات الأربع الفائتة.

لا يوجد مطرب أو مطربة "ضرب" بعد الثورة حاملاً شعاراتها أو أفكارها. كثيرون غنّوا. فرق كثيرة سطع نجمها قليلاً. راب وروك وإحياء لتراث الشيخ إمام وتحويل أغنيات أم كلثوم إلى "تكنو" ومحاولات كثيرة، لكن ليس هناك اسم واحد يختصر شيئاً.

لا يوجد فيلم سينمائي جسّد الثورة، وكان له نصيب من المشاهدة. رغم أفلام توثيقية عديدة نالت رضا النقّاد والنخب. ورغم محاولات أفلام "قصّ وتلزيق" مشاهد من "الثورة" في أفلام تنتمي إلى زمن "ما قبل الثورة". أبرزها محاولة محمد سعد في فيلم "تك تك بوم".

لا يوجد رياضي بات علامة أو رمزاً من رموز الثورة. ولم نجد طوال أربع سنوات أحداً استطاع أن يصير أيقونة الثورة المصرية. وحده "الشارع" هو النجم. ذلك الذي لا يسكت لأحد. الشارع الذي ساهم في تغيير أربعة رؤساء في أقلّ من أربع سنوات. وقد يأتي بالخامس قريباً، في موجة مدّ ثوريّ جديدة بدأت بشائرها تظهر في أكثر من مكان بمصر.

قد يقول قائل إنّ الإعلامي باسم يوسف هو أبرز "نجوم" الثورة الذين صعدوا بشكل صاروخيّ، وهبطوا هبوطاً حادّاً، منهم لأسباب ذاتية، ومنهم هبوطاً اضطرارياً. لكن لا. وسنفصّل لماذا.

وائل غنيم مثلاً كان "أشهر" أسماء الأيّام الأولى لثورة 25 يناير. ثم انطفأ نجمه. كان الأشهر قبل باسم يوسف. ونوّارة، ابنة الشاعر أحمد فؤاد نجم، صعدت بسرعة، لكنّها عادت واختفت.
شهد الميدان أسماء كثيرة صعدت ولم تستطِع أن تصير "أيقونات"، رغم شهرتها. منها رامي عصام، الذي اشتهر بأغنياته في الميادين خلال الاحتجاجات، لكنّه بعد انقلاب السيسي على مرسي اضطرّ للسفر إلى السويد بمنحة "إقامة آمنة" من مؤسسة "فريميوز Freemuse" برّرها مديرها بأنّ "رامي يحبّ أن يؤلّف ويعمل في مصر، لكنّ هذا الأمر غير ممكن حالياً". و"فريميوز" هي منظّمة "تدافع عن حقوق الموسيقيين في التعبير حول العالم"، بحسب موقعها الإلكتروني، وهي تأسّست عام 2000.

ومنهم حامد موسى الذي أنتج أغنيات لصالح الرئيس مرسي قبل وبعد الانقلاب عليه، وكانت له شعبية كبيرة في أوساط الإسلاميين، قبل أن يصير مطارداً من بين بين 702 اسم من أسماء "الإرهابيين المصريين" الممنوعين من العودة إلى مصر: "حجزوا على أموالنا وممتلكاتنا ومنعونا من العودة إلى مصر، وباتت أسماؤنا موجودة في مطارات لبنان والأردن ومصر والسعودية والإمارات وغيرها..."، قال لـ "العربي الجديد". وهو اليوم متنقّل بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، بحثاً عن إقامة آمنة.  

لكن أين هو باسم يوسف اليوم؟

ترك تلفزيوناً مصرياً قريبا من السيسي هو cbc وانتقل إلى mbc التي تملكها جهة غير بعيدة عن السيسي ونظامه. ولنستعِد سيرة باسم يوسف قليلاً. فهو ليس ابن الشارع المصري. يأتي من الولايات المتحدة الأميركية مرتاحاً في حياته وفي مهنته.

هو ليس ابن الشارع بل هو تسلّل من اليوتيوب إلى الشاشة الصغيرة. بسرعة كبيرة واستثنائية وصل عدد متابعيه في الحلقة الواحدة إلى نحو 30 مليوناً، بحسب الإحصاءات والتقديرات غير الرسمية. وكان يشاهد الحلقة الواحدة على اليوتيوب، خلال ساعات، الملايين.

في التلفزيون ساهم باسم يوسف في تقوية الحجج الثورية، وفي دفع كثيرين إلى تبنّي أفكاره المناهضة لتنظيم "الإخوان المسلمين". وربّما تكون له اليد الطولى في الاحتجاجات الشعبية وثورة 30 يونيو/حزيران 2013. تلك التي استخدمها المشير عبد الفتّاح السيسي لـ "يسرق" ملايينها الذين نزلوا إلى الشارع، ويضعها في حسابه الشخصي، تمهيداً لتنفيذ انقلابه على شرعية الرئيس المنتخب من الشعب المصري، محمد مرسي.

وقبيل انتخاب السيسي توقّف برنامج "البرنامج" وما زال متوقّفاً إلى يومنا هذا. وسكت باسم يوسف. رفض الخروج من مصر. لم يهاجم المحطة التي أوقفت برنامجه من دون أسباب معلنة وواضحة. لم يعد إلى مهاجمة نظام السيسي. وبات نجماً يقضي أوقاته متنقّلا ومسافراً مشاركاً في المؤتمرات والمقابلات الإعلامية.

كما لو أنّه تقاعد. وبالتالي فقد نجوميته والبريق الذي بناه في عامين سريعين. واليوم يتحضّر "الشارع" للعودة إلى نفسه، على أبواب ذكرى ثورة 25 يناير.
وحده "الشارع" وفيّ لنفسه في مصر. هي ثورة بلا نجوم. وحده الشارع نجمها. يأتي رئيس ويذهب رئيس، يأتي إعلامي ويذهب ممثّل، يخرج فيلم وترحل أغنية.. ويبقى الشارع نجم ثورته الوحيد.


تابعونا: #ثورات_تتجدد
المساهمون