وقالت المسنة الجزائرية لـ"العربي الجديد"، إنها تولت رفع الراية الوطنية التي صنعتها جدتها فوق منزل عائلتها في قلب مدينة ميلة القديمة، شرقي العاصمة الجزائرية، بعد إعلان جبهة التحرير الوطني بداية ثورة التحرير في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وأضافت: "وقتها، لم يكن الأمر سهلا، فعند اكتشاف جنود الجيش الفرنسي لتلك الراية المرفوعة اقتحموا منزلنا، وتم ضربي بقسوة باعتباري من قام برفع الراية فوق المنزل، ثم تمّ اقتياد والدي الشّهيد بوزيد إلى السجن، وتعذيبه عدّة أشهر قبل إطلاق سراحه".
حكاية رفع الرّاية الوطنية الجزائرية يحكيها كثير من النساء والرجال، وتحتفظ بها ذاكرة كثيرين، إذ كانت من المحرمات في زمن الاستعمار الفرنسي (1830- 1962)، ويمنع أي جزائري من رفعها، ويتمّ سجنه إن فعل ذلك، لكنها رغم ذلك باتت شعارا ونشيدا يتردّد في الشوارع حتى اليوم.
وقال طالب الدكتوراه في القانون، مراد يسعد، لـ"العربي الجديد": "الراية الوطنية تبقى بلسما يداوي تفاصيل الذّاكرة الجريحة في أذهان ملايين الجزائريين، وبعد أكثر من ستة عقود، ما أشبه اليوم بالبارحة".
عند الحديث عن "ثورة نوفمبر" التي أنهت سنوات الاستعمار الفرنسي، تتأكد فرضية أن من استنشقوا رائحة ثورة التحرير لا يمكن أن تقنعهم محاولات تشتيت الجزائريين، أو تخوينهم لمجرد وجود اختلافات سياسية، وخصوصا من تذوقوا طعم استشهاد آبائهم وإخوانهم.
وقالت السيدة الجزائرية فاطمة (76 سنة) لـ"العربي الجديد"، إنها تحرص سنويا على مشاهدة أفلام ثورة التحرير في مناسبة ذكراها، كما تحتفل برفقة أحفادها بعيد الثورة، "فليس هناك أجمل من الاحتفال بذكرى الحرية".
في كل عائلة جزائرية يوجد شهيد أو مجاهد شارك في ثورة التحرير (1954- 1962)، وفي كل سنة، يسترجع هؤلاء الحكايات المرتبطة بالثورة. ويفخر بلقاسم آيت حمودة أنه ابن الشهيد أمقران آيت حمودة من منطقة تيزي وزو، في منطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر، وهي المنطقة التي قدمت آلاف الشهداء.
ويتمسك الجزائريون باستخدام تاريخ الفاتح من نوفمبر لبدء أي مبادرة أو إطلاق مشروع، حتى أن البعض يستأنس بتسمية مشروعه أو متجره "أول نوفمبر"، على حد قول البعض، كما تلفت أنظار المارة، عبر مختلف المدن الجزائرية، الأسماء التي تحملها الشوارع، والتي رسّخت أسماء الشهداء، كما تحمل الفضاءات الشهيرة أسماء الشهداء أيضا، وبينهم الشهيدة حسيبة بن بوعلي، والشهداء الإخوة لزعر، والشهداء الإخوة مدني، وغيرهم.