ثمن التهوّر الإماراتي

02 يوليو 2019
أنشأت الإمارات تشكيلات عسكرية موالية لها (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن توقّع التحوّل المفاجئ لموقف الإمارات في اليمن والكشف عن انسحاب جزئي لقواتها، يحتاج إلى تدقيق في الأسباب، بقدر ما يمثّل نتيجة طبيعية لجملة من الممارسات والقرارات المتهورة لدولة جاءت تحت مبرر مساندة الحكومة الشرعية ضدّ انقلاب الحوثيين، ثمّ ما لبثت أن كشفت عن أجندة خاصة تخالف الأهداف المعلنة جملة وتفصيلاً. برز التدخّل الإماراتي مع إرسال أبوظبي أول قوات برية للتحالف لتدخل المعركة، حين أرسلت قوة محدودة في يونيو/ حزيران 2015 إلى عدن، ساهمت في تدريب قوات محلية إبان المعركة التي تمحور هدفها حينذاك حول انتزاع السيطرة على العاصمة المؤقتة من الحوثيين وحلفائهم.

خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب في ذلك العام، خسر الحوثيون معظم مناطق الجنوب، ليحلّ فيها خليط من القوات الحكومية والمجموعات المسلحة غير النظامية التي نشأت خلال المواجهات تحت مسمى "المقاومة الشعبية" أو "المقاومة الجنوبية". وفي تلك الأثناء، كان من المنتظر أن تعود الحكومة الشرعية بما فيها الرئيس عبدربه منصور هادي إلى البلاد، باعتبار ذلك على رأس الأهداف المعلنة للتحالف، ولأن شرارة التدخل العسكري بدأت مع تقدّم الحوثيين نحو عدن وإجبار الرئيس على الخروج منها.

ما حدث على أرض الواقع كان مختلفاً تماماً، إذ شرعت أبوظبي في تحقيق أجندة خاصة مرتبطة بالسيطرة على الموانئ والمناطق الاستراتيجية اليمنية، كالجزر، وبدأت بدعم إنشاء تشكيلات عسكرية وأمنية موالية لها، ترفع رايات الانفصال، ولا تختلف عن الحوثيين إلا في كونها توالي أبوظبي، في حين فرضت واقعاً منع الحكومة الشرعية من العودة، وعملت في المسار ذاته على الدعم اللامحدود لتقسيم اليمن، بما في ذلك ممارسة مضايقات وحملات ملاحقة ضدّ مواطنين متحدرين من المحافظات الشمالية في عدن. وفي حين تحوّل الوجود العسكري الإماراتي في اليمن إلى أزمة معلنة مع الحكومة الشرعية منذ أكثر من عامين، وصلت إلى حدّ تقديم الأخيرة شكوى رسمية في مجلس الأمن الدولي في مايو/ أيار 2018 على خلفية التهور الإماراتي بالسعي لاحتلال ميناء جزيرة سقطرى ومطارها بالقوة العسكرية ومن دون أي مبررات، فتح اليمنيون أعينهم على هذا الدور، وواجهت أبوظبي مقاومة يمنية، في بلد ومجتمع أكبر من أن تنطلي عليه ألاعيب تمسّ كل ما له علاقة بوحدته وأمنه ومقدراته.

في المحصلة، يمثّل الانسحاب المفاجئ للإمارات، سواء كان اليوم أو غداً، نتيجة حتمية للتهور وللممارسات التي استغلت المحنة التي يمر بها اليمن لتنفيذ أجندة ضيّقة، مهما بدا أنها تحققت، فإنها ستتبخر في نهاية المطاف.