ثلاث شاعرات يخدشن الليل

17 أكتوبر 2017
جيسكا بيل/ كندا
+ الخط -
"نخدش الليل ونصعد" العنوان الذي اختاره الروائي والمترجم الأردني إلياس فركوح (1948)، للقصائد المنتخبة التي نقلها إلى العربية وصدرت عن "دار أزمنة" في عمّان، لكلّ من الشاعرتين الأميركيتيّن سيلفيا بلاث (1932 – 1963) وأليس ووكر (1944)، والشاعرة والروائية الكندية مارغريت آتوود (1939).

يشير صاحب رواية "غريق المرايا" (2012) في تقديمه، إلى أنه "لم يكن سهلاً اجتراح عنوان لهذا الكتاب الصغير، عنوان جامع اشتقه من اسم أو أكثر من أسماء القصائد المجموعة فيه، ويكون ممثلاً لها جميعاً.. رحت باتجّاه الحياة الخاصة بالشاعرات لأجد أن كتاباتهن ما كانت إلا استكناهاً واستنطاقاً "للمنطقة الغامضة" في الداخل من حيواتهن، ما يعني أن للكتابة فعل "الخرق والاختراق للنفاذ" من العتمات إلى الضوء، من الليل إلى النهار، من المكبوت إلى المكتوب".

يضمّ الكتاب أربع عشرة قصيدة، خمس منها لـ بلاث تحمل عناوين "تحذير"، و"امرأة عاقر"، و"بالونات"، و"النائمان"، و"مرآة"، وهي تمثّل جزءً من عوالم صاحبة "عبور الماء"، حيث الألم والتعب والحنق ورصد حالات الحب وتبدّل أزمنته.

ستّ قصائد تضمنّها الكتاب لـ ووكر، هي: "رمادي"، و"قلتُ للشعر"، و"اعتاد العجائز أن يغنّوا"، و"آلاف الأقدام تحتكِ"، و"باستطاعتك أنتِ أيضاً أن تظهري، وتفوحي، وترتدي، وتفعلي على هذا النحو"، و"الأفعى حيوان سلطتي"، وتتنوّع موضوعاتها بين تأمل الشعر ومعانيه، والذهاب وراء الحرب وتداعياتها، والمرأة حين تبوح بدواخلها.

أما أتوود فلها قصائد ثلاث بعناوين: "في الليلة القرنية"، و"هذه صورةٌ لي"، و"بطاقة بريد"، تعكس رحلة الروائية إلى الشعر حيث اختارت الحديث عن حياتها الخاصة، وتذكّر الأشخاص الذين يمرّون بها وأثرهم في الحياة وفي الكتابة، كما يحضر المكان بتفاصيله وتعدّد دلالتها وإحالاتها.

مرآة
سيلفيا بلاث

أنا فِضيّةٌ ودقيقة. ليس لديَّ أهواء.
أي شيء تراهُ أنتَ ألتهمهُ على الفور
تماماً مثلما هو، لا أفوّتهُ بالحُبِّ أو بعدم الحُبّ.
لستُ قاسيةً، أنا صادقةٌ فقط ...
عَيْنُ إلهٍ صغير، ومن الزوايا الأربع.
أحتلُّ معظم الوقت منتصف الجدار المقابل.
إنهُ ورديٌ داكن، بلطخات. نظرتُ إليه طويلاً
أظنُهُ جزءاً من قلبي. لكنه يخفقُ.
الوجوهُ والعَتماتُ تفرّقُ بيننا كل مرّة.
أنا الآن بحيرة. امرأةٌ تتثنى عليَّ،
تفتشُ في مراكزي الهامة عمّا هي عليه حقاً.
ثم تستديرُ نحو أولئكَ الكذّابين، الشموع أو القمر.
أنا أرى ظهرها، وأعكسهُ بصدق.
إنها تجازيني بالدموع واهتياج اليدين.
أنا مهمةٌ لها. إنها تجيء وتمضي.
كل صباح يكون وجهها مَن يلغي الظلام.
فيَّ أنا رُسِمَتْ فتاة صغيرة، وفيَّ أنا امرأة عجوز
تنهضُ نحو أيامها المتوالية، مثل سمكة بغيضة.


اعتادَ العجائزُ أن يغنّوا
أليس ووكر

اعتادَ العجائزُ أن يغنّوا
وأن يرفعوا أخاً لهم
بحذرٍ
خارج الباب.
اعتدتُ الظنّ
بانهم وُلدوا
وهم يعرفون كيف
يؤرجحون القبعة
بلطفٍ.
إنهم يدلفون بنعومة،
العيون ناشفة،
هم أكثر يقظة
مع الورود
من يقظتهم مع الأرملة
بعد أن أدخلوا
الجسدَ
ووقفوا من حوله ينتظرونَ
وهم داخلَ
ستراتهم البنية


في الليلة القرنيّة
مارغريت آتوود

في الليلة القرنيّة تحومين
وحدكِ في بيتكِ. إنها الثانية والنصف.
الكلّ تخلى عنكِ،
أو هذه هي قصتكِ؛
تتذكرينها مذ كنتِ في السادسة عشرة،
حين كان الآخرون في مكان ما في الخارج، يمضون وقتاً جميلاً،
أو هذا ما تظنين،
وتُركت دون رعاية.
تناولت غَرفة كبيرة من فانيلّا الآيس كريم
وملأت الكوب بعصير العنب
وجعة الزنجبيل، ووضعت أسطوانة غلين ميلر
بصوت فرقته المرتفع،
وأشعلت سيجارة لتنفثي دخانها في فوّهة المدخنة،
يكبت قليلاً من الوقت لأنك لم ترقصين،
ثم أخذت ترقصين، وحدكِ، وفمكِ تغطيه دوائر أرجوانية.
الآن بعد أربعين سنة، تغيّرت الأشياء،
وكذلك لوبيا الأطفال الحلزونية الخاصة بها.
من الضروري أن تدّخري رذيلة سرية.
هذا ما ينتج عن نسيان الأكل
في أوقات الطعام المضبوطة، طهوتِ خليطكٍ ببطء وحذر،
وقمت بتجفيفه بالتدريج، وأضفت القشدة والفلفل،
ومشيت بتمهّل صاعدة هابطة الدرجات،
تغرفينه بأصابعك من الزبدية مباشرة،
تكلّمين نفسك بصوت عالٍ.
سوف تفاجئين لو أنك تلقيت جواباً،
غير أن هذا الجزء سيحدث لاحقاً.

هنالك كثيرٌ من الصمت بين الكلمات،
تقولين. وتقولين، إن الغياب المحسوسَ
للرب وكم الحضور المحسوس
يساويان بعضهما،
وعند العودة للوراء فقط.
تقولين، أنا أملك ثياباً بيضاء كثيرة جداً.
تبدأين بالدندنة والهمهمة.
قبل مئات السنين
كان يمكن لهذا أن يعتبر من باب المعرفة بالإيمان
أو هرطقة. لكنها ليست كذلك الآن.
في الخارج هنالك السيرانات.
أحدهم فاضَ وتجاوز حدّه.
والقَرن يواصل طحنه.

المساهمون