ثلاثة شروط مرفوضة تؤجّل عودة الرحلات الروسية إلى مصر

14 مايو 2017
موسكو تشترط وجود خبرائها الأمنيين بمطارات مصرية(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
يطرح قرار موسكو إرجاء موعد استئناف الرحلات الجوية بين مصر وروسيا، بحسب ما ورد في تصريحات مصدر رسمي روسي لوكالة "إنترفاكس" أخيراً، علامات استفهام عدة حول سبل تجاوز الجمود في هذا الملف. لكن يبدو أن المفاوضات بين موسكو والقاهرة دخلت في مرحلة معقدة، بات فيها ملفا الرحلات الجوية والسياحة الروسية في مصر مرتبطين بملفات سياسية واقتصادية استراتيجية أخرى.

وفي ما يتعلق بحيثيات ملف الرحلات الجوية، فقد أعلنت مصادر حكومية مصرية في وزارتي الطيران المدني والسياحة، أن تمسك موسكو بقرار تجميد الرحلات يعود إلى تشبث الجانب الروسي بثلاثة شروط أساسية يعترض عليها الجانب المصري. الشرط الأول، هو استمرار وجود خبراء أمن جوي روس في خمسة مطارات رئيسية بمصر؛ والثاني، تحديد مواعيد دورية للتفتيش على سلامة الإجراءات الأمنية في كل مطار؛ والثالث، تحديد عدد معين من الرحلات اليومية المتبادلة مع تحديد المطارات الدولية التي يمكن استخدامها في الرحلات المتبادلة كمحطات "ترانزيت"، بحسب ما كشفت المصادر نفسها.

وسبق لـ"العربي الجديد" أن كشف في تقريرين نشرهما في فبراير/ شباط ومارس/آذار الماضيين تفاصيل هذه الخلافات ورجّحت المصادر المطلعة آنذاك عدم استئناف الرحلات الجوية، على الرغم من تصريح المسؤولين السياسيين في البلدين بوجود تعهدات باستئناف الرحلات خلال الربع الأول من العام الحالي.

وأكدت المصادر أنه من الناحية الفنية لم تقدّم روسيا بدائل لهذه الشروط التي تراها مصر "مجحفة" وستؤدي لإرباك في نظم إدارة المطارات المصرية وتعاملها مع الرحلات الآتية من الدول الأخرى، لا سيما أنها أصعب من تلك التي حددتها كل من بريطانيا وألمانيا لاستئناف رحلات الطيران، بالإضافة إلى أنها وُضعت بعد أكثر من 10 حملات روسية تفتيشية على مصر منها اثنتان خلال العام الحالي، إذ فتشت لجنتان روسيتان خمسة مطارات من بينها المطارات الثلاثة الرئيسية في القاهرة والغردقة وشرم الشيخ.

وأشارت المصادر إلى أن تصريحات وزير النقل الروسي، مكسيم سوكولوف، والذي حاول الضغط على مصر لتقديم مزيد من التنازلات، لم تجد نفعاً حتى الآن، في ظل استمرار الخلاف بين البلدين حول قضية أخرى مهمة للطرف الروسي وهي الإصرار على إنهاء ملف تعويضات ضحايا حادث طائرة سيناء الذي وقع في خريف 2015 قبل عودة السياحة. وتوجه موسكو أصابع الاتهام بالتقصير أو التواطؤ لقيادات مطار شرم الشيخ وقطاع الطيران المدني، وتصر على هذه الاتهامات كتوطئة لمطالبة مصر بتعويضات مالية إضافية لأسر الضحايا.


وأوضحت المصادر أن مصر ترفض الشروط الروسية ليس فقط لأنها تنال من سيادة مصر على مطاراتها، أو لأنها تربك حركة الطيران المصرية وعلاقات قطاع الطيران المدني المصري بدول أخرى، بل أيضاً لأنها ستكلف القطاع مصاريف باهظة وتكاليف مالية لا يمكن تدبيرها في ظل انخفاض موازنة القطاع ككل خلال العامين المقبلين. وذكرت المصادر أنه تم اتخاذ جميع التدابير التي تحول دون تكرار ما حدث للطائرة الروسية، بتكثيف المراقبة الحية للطائرة في جميع أوضاعها، ومراقبة الركاب منذ دخولهم صالة المطار وحتى خلال الانتقال من صالة الانتظار إلى الطائرة، كذلك تم إدخال نظام البصمة البيومترية في إدارة المطار وتطبيقه على جميع العاملين الإداريين والتقنيين والطيارين وطواقم الضيافة، بحيث يمكن رصد جميع الأشخاص الموجودين داخل أي قطاع من المطار أو الطائرة على مدار اليوم. وعلى الرغم من ذلك لم يرض الجانب الروسي "الذي لا تمثل له السياحة الروسية لمصر أهمية حيوية كما تمثل للاقتصاد المصري، في ظل اتفاقيات تيسير السياحة الروسية لتركيا ودول شرق-أوسطية أخرى"، وفق المصادر.

وفي السياق ذاته، قال مصدر دبلوماسي مصري إن هناك 5 ملفات مترابطة ببعضها تؤدي لبرود العلاقات المصرية-الروسية؛ أولها وأبرزها عدم رضا الجانب الروسي عن تطوير الإجراءات الأمنية في المطارات المصرية، والملف الثاني هو المفاعل النووي الذي تؤجل روسيا توقيع اتفاق بدء تشغيله وترهن التوقيع بعودة حركة الطيران وبعض الإجراءات الأمنية الأخرى التي يرى الخبراء الروس أنها مفقودة في منطقة المفاعل نفسها. أما الملف الثالث فهو عدم حسم قضية سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء. وفي هذا الصدد، أشار المصدر إلى أن الروس لن يتنازلوا تحت أي ظرف عن التعويضات الضخمة المستحقة لذوي الضحايا، بينما تحاول مصر التملص منها، مشدداً على أن هذا الخلاف ذاته يسيطر على مجريات التحقيق في قضية الطائرة المصرية التي سقطت خلال رحلتها من باريس إلى القاهرة.

أما الملف الرابع فهو التسليح والمرتبط بشكل أوسع بالتعاون الاستخباراتي والعسكري بين البلدين. فمصر تحاول الحصول على صفقة أسلحة روسية جديدة جوية وبرية. وفي المقابل، تحاول روسيا استئجار إحدى حاملتي طائرات الهليكوبتر "ميسترال" اللتين اشترتهما مصر من فرنسا العام الماضي نظير المشاركة في تجهيز الحاملتين آلياً ولوجستياً.

وأوضح المصدر الدبلوماسي أن الملف الخامس هو التعاون بشأن القضية السورية، والتي اتخذت مصر فيها خطوات للخلف بعدما أثر غضب السعودية من التقارب المصري الروسي على العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الرياض والقاهرة إلى حد إيقاف الإمدادات البترولية للأخيرة لمدة ستة أشهر. ويتعلق الأمر بملف معقد بالنسبة للنظام الحاكم في مصر، إذ يؤمن رئيسه عبدالفتاح السيسي بصحة الموقف الروسي وبضرورة دعم بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، أو ضمان مكان له في خارطة الانتقال للمستقبل، لكنه في الوقت ذاته لا يجني أي مكاسب من اعتناقه هذا الموقف علناً، بل ويخسر السعودية كحليف اقتصادي ومساند سياسي قوي وجاهز دائماً، على عكس روسيا.

وعلى الرغم من التقارب المعلن بين البلدين على الصعيد الاستراتيجي والاستخباراتي والعسكري ارتباطاً بالملف السوري، والذي ترجم أخيراً باستحواذ شركة "روس-نفط" على 30 بالمائة من حقل "ظهر" البحري للغاز الطبيعي، إلّا أن مصر لم تحقق استفادة تذكر في مجالي السياحة والطاقة إلى جانب تعثر توقيع الاتفاق الفني النهائي الخاص بمفاعل الضبعة، بالإضافة لإلغاء زيارة كانت مقررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى القاهرة في خريف العام الماضي.
المساهمون