بمناسبة إعلان افتتاح "قناة السويس الجديدة"، وكأن وسائل الإعلام والثقافة في مصر ترفع شعار "عدنا"، فلا تخلو مؤسسة رسمية ولا فضاء من فعالية أو إصدار يتعلق بهذا "الحفل الوطني الكبير"، حتى أن سنوات التمجيد وتلميع صورة الرئيس من خلال الإحتفالات بالإنجازات بدت واقعاً من جديد.
قد يكون أن الحدث كبير بالفعل، ولكن أن يتحوّل إلى محور الحياة الثقافية المصرية، فهذا أمر خطير. قد لا يصدّق متابع الحياة الثقافية في مصر أخباراً تقول بـ "مشاركة 166 فرقة استعراضية في احتفال بمناسبة فتح قناة السويس الجديدة" لكن هذا واقع. كما قد لا يجد هذا المتابع تبريراً لـ "إطلاق مسابقة للأفلام التسجيلية عن قناة السويس الجديدة".
أما الأخطر والأغرب من ذلك فهو "إصدار كتاب "قناة السويس..وثائق الحلم المصري" وإرسال نسخة منه إلى كل رؤساء وملوك العالم. بعد ذلك لن نستغرب من وزير الثقافة أن يصرح بأن الاحتفاليات ستتواصل على مدى عام (وكأن إدارة الشأن الثقافي المصري يعني إدارة هذه الاحتفالات) أو أن يرفع علم مصري عملاق على مبنى الوزارة وأن تألف الأغاني بـ "المناسبة السعيدة".
ضخامة الاحتفال ليس غريباً عن التقاليد المصرية، وذلك منذ عهد الخديوي إسماعيل الذي أقيمت القناة الأولى في عصره. لكن شتان بين احتفال يقرن الضخامة بالذوق، حين يستدعي الموسيقي الإيطالي جيوزيبي فيردي ويطلب منه أنه يؤلف أوبرا خصيصاً للحدث، وبين احتفال متضخم لا يراعي الذوق ولا حتى ذاكرة المصريين الذين أسقطوا من سنوات قليلة رئيساً كانت كل الثقافة الرسمية موجهة للاحتفاء بإنجازاته، وبالمناسبة تنتج الحكومة المصرية أغنية احتفالية بعنوان "بكرا تحلى".
يبدو أن إصراراً يحرّك صناع الثقافة الرسمية في مصر، ومن ورائهم إعلاميون وفنانون، بأن يثبتوا للمصريين أن لا شيء يتغيّر من واقع بلادهم حتى ولو حفرت عشرون قناة سويس جديدة.