ثقافة انتهاكات

18 اغسطس 2015
النموذج الاجتماعي يحفظ حقوق الأشخاص المعوّقين (فرانس برس)
+ الخط -
تشير الانتهاكات اللفظية والكتابية اليومية بحق العديد من الفئات المهمّشة، تساؤلاً إن كانت تمثّل ثقافة متجذرة في المجتمع العربي ككلّ، لا إمكانية عملية لوقفها.

ومع ذلك، فإنّ عملية التصدّي لها والتي تبدأ بشكل فردي عبر التزام مستخدمي الإعلام المكتوب والإلكتروني والمرئي والمسموع، مهما كانت مناصبهم ووظائفهم، بقواعد معينة، سيكون لها كبير الأثر في الحدّ من الانتهاكات على الأقلّ.

المعضلة الكبرى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تزيد الانتهاكات وتساهم في نشرها أكثر وترسيخها، خصوصاً أنّ المنشورات تبقى على شبكة الإنترنت، وتجد محركات البحث طريقها إليها كلّما أرادت. فيتحول كلّ مستخدم إلى وسيلة إعلامية بحدّ ذاته، أكانت رصينة أم صفراء.

من تلك الانتهاكات ألفاظ ومصطلحات مسيئة تُوجّه إلى الأشخاص المعوّقين. منها ما يوجَّه بشكل مباشر إليهم من خلال وصفهم بـ"العجز" والـ"ضعف" ومقاربة حالتهم من منظور طبي أو خيري ترفضه المنظمات المعنية، بدلاً من المنظور الاجتماعي الذي يؤمّن لهم ممارسة حقوقهم كأشخاص فاعلين. ومنها ما يوجَّه إليهم بشكل غير مباشر كانتقاد وضع ما مثلاً وربطه بإحدى الإعاقات كدليل على عدم كفاءته بحسب المنتقد، وهو ما يحوّل الأشخاص المعوّقين إلى أدوات للسخرية والتهكم في كلّ مجال.

أحد المنشورات التي تناقلها الكثيرون أخيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يضمّ مختلف أنواع الإساءات في النوعين الأول والثاني. فهو يضمّ مصطلحات مسيئة من جهة، ويوظّف تلك المصطلحات لانتقاد وضع معين. فيقول: "ما يفعله الإعلام الفاسد هو إقناع الناس أنّ رجلاً أخرس قال لرجل أطرش إنّ رجلاً أعمى شاهد رجلاً مشلولاً يلحق برجل مقطوع اليدين، ليمنعه من شدّ شعر رجل أصلع".

مع استبعاد الصلع غير المصنف كإعاقة، تبرز لدينا أربع إعاقات، اثنتان منها حسّيتان لا بدّ من التنبيه إلى أنّ المصطلحين الصحيحين فيهما "شخص أصم، وشخص مكفوف". واثنتان حركيتان المصطلحان السليمان فيهما "شخص معوق حركياً، وشخص لديه بتر".

مثل هذا المنشور كثير ومتكرر إلى حدّ السخافة والإسفاف. وهو يتكرر على ألسنة السياسيين من مختلف الاتجاهات أيضاً. حتى إنّ بعضهم ينتهك حقوق الأشخاص المعوّقين من المناصرين له بحضورهم. فلا يتوانى عن إبراز مثل شعبي أو قول شائع يتحدث عن "فالج لا تعالج"، أو "أطرش في الزفة"، أو "شيطان أخرس"، أو "شلل المؤسسات".

كأنّ اللغة العربية باتساعها لا تحتمل مصطلحات أخرى. وكأنّ عباقرة الخطابة والصحافة والأدب هؤلاء يخافون على بلاغتهم المفترضة. وإنْ هم إلا منتهكو حقوق.

إقرأ أيضاً: غرقى داخل الشبكة
المساهمون