بايدن كان أكثر اندفاعاً في الدفاع والهجوم، يحاول إقناع الحزب الديمقراطي وممولي حملته، بأنه قادر على خوض هذه المعركة الرئاسية، رغم كل هفواته وأدائه المتواضع في المناظرتين الأولى والثانية.
كانت واضحة منذ البداية رغبة الوسطي بايدن واليساري ساندرز بالمواجهة على مركز الصدارة في السباق بين الديمقراطيين. نائب الرئيس السابق انتقد السيناتور عن فيرمونت وموقف التيار اليساري بشكل عام حول فكرة إعطاء الرعاية الصحية لجميع الأميركيين وتكلفة هذا الأمر على الخزينة الفدرالية. في المقابل، هاجم ساندرز بايدن على خطئه في التقدير عند التصويت لإعطاء الرئيس الأسبق جورج بوش الابن التفويض التشريعي الذي سمح له بغزو العراق عام 2003، كما انتقده على دعمه في التسعينيات لسياسات التجارة الدولية الحرة في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون باعتبار أنها انعكست سلباً على الطبقة العاملة في الولايات المتحدة.
في المقابل، كان لافتاً استمرار وارن في مهادنة كل المرشحين، في مقاربة سمحت لها حتى الآن بالصعود التدريجي في استطلاعات الرأي من دون فتح معارك جانبية، كما سعت لاستقطاب التيار الوسطي عبر الإشادة بإنجازات أوباما من ناحية إقرار قانون الرعاية الصحية. الهجوم على وارن يُربك مُنافسيها، ساندرز يتشارك القاعدة اليسارية ذاتها مع السيناتور عن ماساشوستس، ويستمر الطرفان في تحالف ضمني في الحملة الرئاسية، أما بايدن فيتردد في انتقاد وارن نظراً لعلاقاتها مع فريق أوباما ولأنه لا يمانع أنها تنافس ساندرز على أصوات التيار اليساري. وشخصية وارن الهادئة وغير الاستفزازية تصعّب على الآخرين انتقادها خلال المناظرات.
أما المرشحون السبعة الآخرون على مسرح المناظرة، فقد كان أداء بعضهم إيجابياً لكن ليس بشكل يكفي لتغيير معادلة السباق الرئاسي. السيناتور عن ولاية كاليفورنيا كامالا هاريس، التي تأتي في المركز الرابع في استطلاعات الرأي، ركزت على ترامب في المناظرة، وسمته تهكماً "ساحر أوز". النائب السابق عن ولاية تكساس بيتو أورورك تميّز في الكلام عن ضرورة اتخاذ إجراءات لوقف حوادث إطلاق النار الجماعي، فيما تعرض وزير الإسكان الأسبق في إدارة أوباما لانتقادات حين سخر ضمنياً من سن بايدن، حيث ردد قائلاً "هل نسيت ما قلت قبل دقيقتين؟" خلال مناقشة حادة معه حول الرعاية الصحية. باراك أوباما كان يرخي بظلاله مرة أخرى على الانتخابات التمهيدية بين الديمقراطيين، بحيث احتار المرشحون خلال المناظرة بين خوض معركة لوراثة زعامته، أو انتقاد إرثه لتقويض صدارة بايدن.
كانت قضايا السياسة الخارجية أكثر تداولاً في المناظرة الثالثة، لكن بقيت هامشية مقارنة مع أولويات القضايا المحلية. كان هناك إجماع بين المرشحين على ردع الصين تجارياً، لكن مع انتقاد أسلوب ترامب وسعيه لعزلة أميركا في المعارك التجارية التي يخوضها. والإجماع الديمقراطي كان واضحاً حول إخراج الجيش الأميركي من حربي أفغانستان والعراق، إذ لفتت وارن إلى أنها مع سحب القوات الأميركية من أفغانستان حتى من دون اتفاق مع حركة "طالبان". وفي السياق قالت: "لا يمكننا الاستمرار بالطلب من جيشنا حل مشاكل لا يمكن حلّها عسكرياً". من جهته، رأى بايدن أن إدارة أوباما لا تتحمل مسؤولية ما حصل عام 2014 بعد سحب القوات الأميركية من العراق، مشيراً إلى أنه "حصل ما توقعناه" من ناحية غياب التوافق بين الطرفين الشيعي والكردي في الحكومة العراقية، الذي منع محاربة تنظيم "داعش". في المقابل، لم تتطرق الأسئلة إلى الملف الإيراني أو القضايا العربية أو حتى روسيا. كما استمر الديمقراطيون في استراتيجية عدم الهجوم بشكل مركز على الرئيس الأميركي، لا سيما التحقيقات القانونية التي تطاوله، بل تأجيل ذلك حتى اتضاح صورة من يمثل الديمقراطيين في المواجهة مع ترامب العام المقبل.