تيّار البقاء

07 يوليو 2016
(تصوير: حيدر محمّد علي)
+ الخط -

الشارع ممتلئ تماماً بالناس. في أحد المقاهي، يجلس الشباب لمتابعة مباراة كرة قدم، آخرون يطالبون غيرهم بالإسراع لشراء ما تبقى من ثياب العيد، مجمع الليث التجاري كان يغصّ بزبائنه عندما انفجرت السيارة المفخخة، ونحو مئتين من هؤلاء ماتوا وضعفهم جرحوا، ولا يمكن الوقوف على حصيلة دقيقة للضحايا بسبب هول الواقعة.

كاميرات العديد من القنوات المحلية تجولت في اليوم التالي بين أهالي المفجوعين، لم يكن بالإمكان رؤية شيء في وجوههم أو في حديثهم غير الغضب، كل فئة انشغلت بصب اللعنات على من تراه المذنب والمقصّر، وفي العراق فقط يمكن الجزم بأن الجميع مذنبون.

في اليوم ذاته، زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مكان الانفجار، وجُوبِه من قبل الجموع الغاضبة برشقات الحجارة والسب والشتم؛ ما أجبره على مغادرة المكان.

قال هؤلاء الغاضبون: لا أحد منذ عام 2003 قدم لنا خيراً أو غيّر شيئاً للأفضل، الواقع الخدمي والاقتصادي والأمني يزداد سوءًا عاماً بعد آخر، كل الأحزاب مدانة حتى تلك التي انتخبناها، ولا وجود لفئة أو حزب يمكن التعويل عليه في المستقبل. وعبّروا عن فقدانهم الثقة بالجميع سواسية.

قبل هذه الحادثة بيوم، كان هناك مؤتمر صحافي لمجموعة من النخبة الليبرالية، أعلنت انطلاق تجمع لقيادة حركات احتجاجية سلمية تحت عنوان "مدنيون"، أكدت في إحدى فقرات بيانها رفضها للتحالف مع أي جهة سياسية أو حزبية، بينما مجموعة مدنية أخرى يشكل الحزب الشيوعي العراقي جزءًا مهمًا منها تحالفت قبلهم بأشهر مع التيار الصدري وخرجوا معهم بالعديد من التظاهرات، كما اقتحموا المنطقة الخضراء المحصنة والبرلمان العراقي مرتين، سقط في حالة الاقتحام الثانية أربعة قتلى جراء تصدي قوات الأمن للمحتجين.

من جانب آخر، ينشق الإسلاميون الشيعة إلى ثلاثة صفوف؛ الأول، صدري يخوض حركة احتجاجية واسعة، واستطاع في إحدى تظاهراته حشد قرابة النصف مليون متظاهر.

الثاني، يضم أتباع ولاية الفقيه والذين ينتمون إلى عدد من فصائل الحشد الشعبي المدعوم من إيران، يقف هؤلاء ضد حركة الصدريين الاحتجاجية.

أما الأخير، أكثرهم هدوءًا، فيضم أتباع مرجعية السيستاني التي يمكن القول إنها تقف موقفاً حيادياً من الجميع. السنّة لا صوت يذكر لهم، فهم أيضًا بين ثلاثة صفوف، الأول موالٍ لتنظيم داعش، والثاني نازح من بطش التنظيم المتطرف ويقدّر عددهم ببضعة ملايين، والصف الثالث لا صوت يذكر له.

في ظل حالة من الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي، لا يوجه انتماء الشاب العراقي اعتقاد حقيقي، ربما الغاية الحقيقية التي يسعون وراءها هي البقاء أو الـ(survival). فمنذ عام 2005 يحكم العراق إسلام سياسي شيعي، يشكل الشيعة من معارضيه الأغلبية الساحقة، والتيارات المدنية أو اليسارية تكتفي بالفعل الاحتجاجي غير المؤثر منذ عام 2010 وحتى اللحظة، جميع هذه الحركات الاحتجاجية يخوضها شباب هم المستهدف الأول بجميع العمليات الإرهابية التي تضرب الأسواق والمقاهي.

التيار العلماني أو المدني تدفعه مصلحة اجتماعية في مواجهة الإسلام السياسي بتعدد أشكاله بعد أن أثبت فشله، ولا تنبع هذه المواجهة من اختلاف عقائدي أو ديني كما تشيع جهات مقربة من التيارات الإسلامية أن العلمانيين ملاحدة يرفضون حكم المسلمين.

وهذا ما يؤكده تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع التيار الصدري كما أسلفت. الصراع الفكري بين الطرفين غائب تماما، فالعبارة التي يتفق عليها الجميع "لو حكمني شيطان بعدلٍ وأمن سأدعمه، لا نريد سوى الحياة".

(العراق)



دلالات