ما يلفت الانتباه في حالة الشتات الفلسطينية في أوروبا، التي عاشت نشاطاً وتأطيراً مختلفين قبل اتفاق أوسلو، حالة القلق لدى جيلين، يجمع بينهما "خفوت" العلاقة، مع ما يفترض أنه "حركة تحرر وطني" في جانب الهدف السياسي. ففي أحد أكثر التجمعات الفلسطينية نشاطاً في مدينة أوبسالا السويدية، التي اعتبرت عاصمة فلسطينيي إسكندنافيا حتى نهاية الثمانينيات، ثمة جو من الإحباط، شبيه بجو برلين وغيرها، كأقل تشخيص يعرضه من يناقشون "كارثة تحويل حركة تحرر إلى سلطة ألحقت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وتمييع مؤسساتها التي شكلت يوماً، رغم المآخذ، رافعة لطاقات الفلسطينيين".
وما يثير القلق في أكثر من ساحة أوروبية، انضمام أعداد كبيرة من طاقات وكوادر فلسطينية، ممن شكلوا يوماً رافعة، إن في العمل التنظيمي والسياسي أو الأدبي والإعلامي، إلى المشككين بكل مشروع منظمة التحرير الفلسطينية التاريخي في مسار التحرر. ولا يتردد كثيرون في اعتبار العقدين الأخيرين "انعكاساً لمرض تغليب الفصائلية، فتارة ضد أوسلو وأخرى قبول بالتوظيف والتوزير". ليست المسائل التنظيمية هي القضية الرئيس عند الكادر المسيس في المهجر، بل الأخطر وبوصفهم هو "تيه البوصلة السياسية الفلسطينية". فالتأرجح بين "الدولة والثورة"، في سياق متناقض بنتيجة هلامية الحالتين حالياً، بات مأزقاً مشتركاً لدى جيل الآباء والأبناء ممن ولدوا في أوروبا.
ولفرط حساسية التركيبة الفلسطينية تاريخياً حيال نقاشات "البدائل"، ينتشر حذر في طرح قضايا بوزن إعادة النظر بالتعريفات التي سادت، أو فيما إذا كانت التركيبة السياسية التقليدية الفلسطينية اليوم معبرة بحق عن مسعى حركة تحرر وطني أم مجرد تعبير عن مساومات كواليس ما يسمى مفاوضات. لكن، الأخطر في مجريات أكثر من ساحة، أوروبية وغير أوروبية، سعي تيار يقوده المسؤول الأمني المطرود من حركة "فتح"، محمد دحلان، لفرض نفسه في تراكمية التأهل لمستقبل ما بعد الرئيس محمود عباس. فلم يعد الأمر همساً ولا تخميناً باللعب على مشاعر الإحباط لاختراق الصفوف، إن بتسويق سياسي أو تنظيمي. فخطورة ما يجري أنها تحركات تضع أيضاً الجيل الشاب الجديد، غير المتمرس أصلاً في هذه الفصائلية المقيتة، في مواجهة لا طائل منها سوى اعتلاء منصب يُحضر له بأموال وجهود عربية معروفة.