يستعد المدير العام الجديد لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، تيم دايفي، لاستلام مهامه في سبتمبر/أيلول المقبل، حين سيواجه تحديات عدة أبرزها النقاش السياسي مع حكومة بوريس جونسون حول ضريبة المشاهدة، وإعادة تقييم النموذج التجاري للمجموعة الإعلامية، ونزوح المشاهدين الشباب نحو المنصات الرقمية المدفوعة.
تيم دايفي (53 عاماً) حصل على واحدة من الوظائف الأهم في المملكة المتحدة، براتب سنوي قيمته 525 ألف جنيه إسترليني، أي أكثر بـ 75 ألف جنيه إسترليني من سلفه توني هول، وأقلّ بـ 75 ألف جنيه إسترليني مما يتقاضاه لقاء توليه منصبه الحالي. وعلى الرغم من المميزات المعنوية والمادية كافة التي تميز الوظيفة المرموقة، فالوسط الصحافي والإعلامي البريطاني متفق على أن دايفي يدخل "جحيماً" بتسلمه منصبه في هذه الأوقات الدقيقة في البلاد.
يشغل دايفي حالياً منصب الرئيس التنفيذي لـ "بي بي سي استديو"، الذراع التجارية ومركز الإنتاج في المجموعة الإعلامية البريطانية. وعمل فترة وجيزة مديراً عاماً بالنيابة في "بي بي سي" عام 2012، عقب فضيحة الإعلامي النجم جيمي سافيل واستقالة جورج إنتويسل. كما تولى سابقاً مهام تسويقية في مجموعتي "بيبسيكو أوروبا" و"بروكتر أند غامبل".
توفي سافيل في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، لكن بعد وفاته ظهرت اتهامات له بالاعتداء الجنسي على أشخاص، بعضهم كانوا قصراً. وتبين أن سافيل كان يستغل شهرته في جذب ضحاياه والاعتداء عليهم في غرفة تبديل الملابس داخل مبنى "بي بي سي"، في فترة السبعينيات. وحسب نتائج التحقيق، فإن المؤسسة فشلت في وقف اعتداءات سافيل بسبب "ثقافة الخوف" في الهيئة، و"الشعور بأن المشاهير لا يمكن المساس بهم".
وتفوق دايفي في المنافسة لخلافة هول على مديرة المحتوى في "هيئة الإذاعة البريطانية" شارلوت مور، والرئيس التنفيذي السابق في مجموعة النشر الأميركية "داو جونز" ويليام لويس، وأحد كبار المسؤولين في شركة "أمازون" دوغلاس غر. تعيين دايفي أثار استياء بعض الصحافيين في المملكة المتحدة الذين عابوا ضعف خبرته في المجال الصحافي التحريري، كما اعتبر آخرون (ذي إندبندنت، والصحافية كاري غرايسي) أن المنصب كان يجب منحه لامرأة أو شخص من الأقليات العرقية. في المقابل، اعتبر آخرون، بينهم رئيس تحرير "إيفنينغ ستاندرد" جورج أوزبورن والرئيس السابق لـ "بي بي سي نيوز" روجر موزي، أن إلمام دايفي بتقاليد المؤسسة مع خبرته التجارية ضرورة في الظروف الحالية.
في غضون أشهر، سيحتاج دايفي إلى اتخاذ سلسلة من القرارات المالية الملحة في "هيئة الإذاعة البريطانية" التي برزت حتى قبل وباء فيروس كورونا العالمي الذي ضرب القطاع، وبينها تقليل النفقات وتعويض عائدات الإعلانات المتهاوية، وحسم النقاش بشأن ضريبة المشاهدة (154.5 جنيهاً إسترلينياً، أي 196 دولاراً أميركياً) التي ستلغى اعتباراً من الأول من أغسطس/آب للأشخاص فوق سن 75 عاماً، وسط مخاوف إزاء رغبة محتملة لدى حكومة بوريس جونسون في تقليص قيمتها أو تخفيف العقوبات في حال التخلف عن الدفع.
وعليه أيضاً تحسين العلاقات مع حكومة جونسون التي تتهم "بي بي سي" بالتحيز الليبرالي في تغطيتها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وأزمة فيروس كورونا الحالية. وحذّر النائب عن حزب المحافظين، جيرالد هوارث، من أن أمام دايفي "جبلاً عليه تسلقه لاستعادة الثقة والتوضيح لموظفيه أن الحياد حجر الزاوية في المؤسسة الممولة من الدولة، وإلا فإن الأصوات المطالبة بإنهاء رسوم الترخيص ستصبح أعلى"، في تصريح لصحيفة "فايننشال تايمز".
كما سيتعين عليه حل مشاكل المساواة في الأجور داخل المؤسسة، والنزاعات، والتحيز السياسي، ومسألة التنوع. كما سيضطر إلى التنافس مع رئيس جديد لمجلس "هيئة الإذاعة البريطانية" في أوائل العام المقبل، حين ستعينه حكومة حزب المحافظين التي لم تخف رغبتها في تغيير هيئة البث جذرياً.
لكن مهمته يمكن تحديدها من خلال كيفية تعامله مع تحدي المنصات الرقمية العالمية وأبرزها "نتفليكس"، وإعادة التواصل مع الجمهور الشاب، وإعادة تصميم آلية تمويل البث العام للخدمة العامة.
وأمام التحديات كلها التي يواجهها دايفي عليه أن يكون "رشيقاً وسريعاً" في إجراء التغييرات، وفق تعبير المراسل مارك سويني في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، حيث تضيف زميلته الكاتبة جاين مارتنسون أن عليه أن يكون "خبيراً مالياً، وصحافياً صلباً، ومقاتلاً سياسياً".