"إنترسبت": تدخّل تيلرسون لوقف غزو سعودي-إماراتي لقطر كان سبباً في إقالته

01 اغسطس 2018
وساطة تيلرسون حرّكت السعودية والإمارات ضدّه (Getty)
+ الخط -
كشف موقع "ذي إنترسبت" الأميركي، في تقرير له اليوم الأربعاء، تفاصيل جديدة، نقلًا عن مصادر استخباراتية وسياسية، حول كواليس إقالة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ريكس تيلرسون، التي جاءت بعد أشهر من اتصالات مكثّفة أجراها لوقف غزو سعودي-إماراتيّ كان يُحاك ضدّ قطر، خلال الأسابيع الأولى من الأزمة الخليجية التي دبّرتها الدولتان، وشاركت فيها أيضًا البحرين ومصر.

وكتب معدّ التقرير أن الإقالة التي بدت في ظاهرها ردًّا على تصريحات تيلرسون في محادثة هاتفية مع نظيره البريطاني، بوريس جونسون، حول تسميم العميل الروسي المزدوج في سالزبري، التي أبدى فيها "ثقته التامة بتحقيقات المملكة المتحدة وتقييمها بأن روسيا كانت المسؤولة على الأرجح"؛ كانت سوابقها في الواقع أبعد من ذلك، لا سيّما أنه خلال الأشهر التي أعقبت الإقالة ظهرت تقارير صحافيّة ترجّح بقوّة أن الدولتين اللتين ضغطتا بكلّ قوتهما لإبعاد تيلرسون كانتا السعودية والإمارات، فكلتاهما كانت مستاءة من محاولة تيلرسون الوساطة لإنهاء الحصار على قطر.

ويشير معدّ التقرير، في هذا السياق، إلى ما نشرته "نيويورك تايمز" حول معرفة سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، بأمر إقالة تيلرسون قبل ثلاثة أشهر من وقوعه.

وعلم "إنترسبت"، من مصدر رسمي في الاستخبارات الأميركية، ومصدرين سابقين في وزارة الخارجية، أن دور تيلرسون في الأزمة الخليجية، الذي أوقد غضب الإمارات والسعودية، كان سبباً رئيسياً في إقالته، لا سيما تدخّله في صيف عام 2017، قبل أشهر عدة من بدء أبوظبي والرياض بالضغط لإقالته، من أجل وقف خطة سرية تقودها السعودية، وتدعمها الإمارات، لغزو قطر.


وكما يستطرد معدّ التقرير، فإنه في الأسابيع التي تلت قطع السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر، وفرضها عليها حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا، عقد تيلرسون سلسلة اتصالات تحثّ المسؤولين السعوديين على عدم اللجوء إلى العمل العسكري. وخلال تلك المكالمات، حثّ تيلرسون العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وابنه محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، ووزير الخارجية، عادل الجبير، على عدم مهاجمة قطر أو تصعيد الأعمال العدائية ضدها. وشجّع تيلرسون، أيضًا، وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، على مكالمة نظرائه في السعودية لشرح مخاطر مثل هذا الغزو.

وفي الوقت الذي دفعت فيه تلك الضغوط بن سلمان إلى النكوص عن خططه خشية الإضرار بعلاقاته مع الولايات المتّحدة، فإنها "أثارت غضب" الحاكم الفعلي على الطرف الآخر، ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وفق ما كشفه مصدر مقرّب من العائلة الحاكمة في الإمارات، ومصدر آخر في الاستخبارات الأميركية.

ووفقًا لمعلومات الموقع، فقد اكتشف الخطة السعودية-الإماراتية عملاء مخابرات قطريّون يعملون داخل السعودية في وقت مبكّر من صيف 2017، كما يشرح مصدر في الاستخبارات الأميركية، ثمّ تحرّك تيلرسون فورًا بعد أن أبلغته الحكومة القطرية وسفارتها في الدوحة بذلك. وبعد أشهر عدة، أكّدت تقارير استخباراتية من الولايات المتّحدة وبريطانيا أن خطة الغزو كانت قائمة بالفعل.

تلك الخطة، التي صيغت في معظمها على يد وليي العهد، بن سلمان وبن زايد، كان محتملًا تنفيذها عقب أسابيع من ذلك، بمشاركة قوات برية سعودية كان يفترض أن تقطع الحدود البرية مع قطر، وبدعم عسكري من الإمارات، التي ستتقدم بقوة 70 ميلًا باتجاه الدوحة. وبعد تجاوز القاعدة الأميركية، فإن القوات السعوديّة ستكون حينئذ قد احتلت الدوحة.


ويذكّر الموقع بتصريحات المتحدّثة باسم الخارجيّة آنذاك، هيذر نويرت، التي أكّدت في 20 يونيو/ حزيران أن تيلرسون أجرى "أكثر من 20 مكالمة ولقاء مع ممثلين عن الخليج وغيرهم من الجهات الإقليمية والوسطاء"، بما في ذلك ثلاث مكالمات ولقاءان مع الجبير، قائلة: "كلما مرّ مزيد من الوقت، تزداد الشكوك حول الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات".

في المقابل، ينقل "إنترسبت"، عن متحدث باسم الخارجية تصريحه، الأسبوع الفائت، ردًا على أسئلة الموقع، أنه "خلال الخلاف (الأزمة الخليجية) التزمت جميع الأطراف بشكل صريح بعدم اللجوء إلى العنف أو العمل العسكري، في حين رفض تيلرسون، الذي وصل إليه معدّو التقرير عبر مساعد شخصي، التعليق على ذلك".


ويشير الموقع إلى أنّه خلال ذلك الوقت، كان صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، ممسكًا بشكل شخصي بعلاقات الإدارة الدبلوماسية في الخليج، وكان قادة السعودية والإمارات يفضّلون الوصول من خلاله إلى الإدارة بدلًا من مؤسسات الدفاع والاستخبارات الأميركية، إذ كان التواصل بينه وبين بن زايد وبن سلمان يتمّ عبر خدمة تطبيق "واتساب" ذي الرسائل المشفّرة.

ويبيّن روبرت مالي، الرئيس والمدير التنفيذي لـ"مجموعة الأزمات"، الذي كان يشغل سابقًا منصب مستشار للرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه منذ صيف 2017، أخبره المسؤولون القطريون، مراراً، أن بلادهم تعرضت لتهديد بالغزو، مضيفًا: "ليس هناك شك في أن كبار المسؤولين القطريين الذين تحدثت إليهم كانوا مقتنعين، أو على الأقل تصرفوا كما لو كانوا مقتنعين، بأن السعودية والإمارات كانتا تخططان لهجوم عسكري على بلادهم، تمّ إيقافه نتيجة للتدخل الأميركي".

وينقل الموقع ترجيحات بعض المراقبين في الخليج بأن الحافز وراء الغزو المخطط له ربّما كان مكمنه، وإن بشكل جزئي، في المطامع الماليّة للسعودية، التي أنفقت في عهد الملك سلمان أكثر من ثلث احتياطاتها البالغة 737 مليار دولار، حتى دخل اقتصادها العام الماضي في حالة ركود قاسية. ولعلّ ذلك ما دفعها للبحث عن وسائل أخرى لجمع الأموال، لا سيما بعد انخفاض أسعار النفط، قد تكون إحداها التخطيط للسيطرة على الدوحة، التي ستعني أيضًا وضع قادة السعودية يدهم على صندوق ثروة سيادي تبلغ قيمته نحو 320 مليار دولار.

ولعلّ ما عزّز تلك الفرضية، وفق تقدير الموقع، هو أنّ بن سلمان، بعد أشهر قليلة من فشل خطّة الغزو العسكري التي رسمها مع حليفه في أبوظبي، عمد إلى اعتقال العشرات من أقاربه الأمراء، وعشرات آخرين من رجال الأعمال الأثرياء في بلاده، لإجبارهم على التنازل عن مليارات من أصولهم الخاصة، تحت ذريعة مكافحة الفساد، وهو ما انتهى بمصادرة أكثر من 100 مليار دولار وتحويلها، بحسب مزاعم السلطات السعودية، إلى خزينة الدولة.

المساهمون