تيسير السبول.. أنت منذ الأمس

15 نوفمبر 2014
+ الخط -

سؤال يخطر في الذهن كلما حلّت ذكرى وفاة كاتب؛ عن نظرتنا إليه قبل وفاته، وبعدها. هل هي النظرة ذاتها؟ إنه سؤال محيّر، لكنه لا يحتاج إلى إجابة، إذ تجيب عليه الندوات والفعاليات الكثيرة التي تتفجر، في كل مرة، إحياءً لذكراه.

وللتأكد من مصداقية هذه الإجابة ما علينا سوى النزول إلى أكشاك الكتب والمكتبات، بعد كل إعلان وفاة كاتب ما، حيث سنجد جميع كتبه معروضة في الواجهات الأمامية، وفي الأماكن التي لا تخطئها عين القارئ، لأن بائعي الكتب يعرفون جيداً أن هذا الكاتب سينال، في هذه المناسبة، قسطه من القراءة والاهتمام.

أمّا النقاد فسيبدأون بالحفر في سيرة الراحل وكتبه ودوافع رحيله، إن مات منتحراً، وقدرته على التنبؤ بالموت، إن كان موته طبيعياً. سيقرأون كتبه من جديد، معيدين إليها الاعتبار، وفقاً لمعطيات النظرة الجديدة. وهذه الحالة حاضرة بقوة في الساحة الثقافية الأردنية، حيث أعيد اعتبار كثير من الكتّاب الأردنيين بعد موتهم، أو اقترابهم منه.

من هؤلاء، الكاتب الساخر محمد طمليه الذي مات بالسرطان، والروائي غالب هلسه المنفي الذي لم يُعرف أردنياً إلا بعد وفاته، وأيضاً الكاتب والشاعر تيسير السبول الذي تحل اليوم ذكرى انتحاره. ففي الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1973، وضع السبول حدّاً لحياته بإطلاق النار على نفسه، بسبب توقف تقدّم القوات المصرية والسورية في حرب تشرين/أكتوبر. وهو ما اعتبره الكاتب بداية الهزيمة، فبلغ به الإحباط واليأس حداً دفعه إلى إنهاء حياته.

خبر الانتحار هذا تلقّفه النّقاد والمثقفون بلهفة كبيرة، فعادوا إلى سيرته التي تكاد تخلو من الأحداث المهمة، باستثناء كتابين صدرا عن "دار النهار" اللبنانية (ديوانه الشعري "أحزان صحراوية"، وروايته "أنت منذ اليوم")، وعدد من القصص والمقالات التي نشرها في الصحف والمجلات. وذلك ما جعلهم يتنبّهون إلى أثر الأحداث العربية الكبرى (هزيمة حزيران، أحداث أيلول، موقفه من حرب تشرين) في حياته، وتشكيلها الدافع الفعلي لانتحاره.

ولد السبول في بلدة الطفيلة عام 1939، ليكون الابن التاسع لعائلة متوسطة الحال. انتقل، برفقة أخيه، إلى مدينة الزرقاء لإكمال دراسته، ثم إلى العاصمة عمّان التي أنهى فيها تعليمه الثانوي، وكان اسمه ضمن قائمة الطلاب المتفوقين. وهذا ما يفسّر حصوله على منحة لدراسة الفلسفة في "الجامعة الأميركية" في بيروت، علماً أنه غادر العاصمة اللبنانية بعد فترة قصيرة ليدرس القانون في كلية الحقوق في جامعة دمشق.

وبعد تخرّجه عام 1962، عمل في دائرة "ضريبة الدخل"، ثم غادرها للتدرّب في مكتب محاماة. بعد ذلك، سافر للعمل في البحرين، ثم السعودية، قبل أن يعود إلى الأردن ليكمل تدريبه في المحاماة، ويفتتح مكتباً لممارسة المهنة. لكن، بعد فترة، أغلق المكتب وعمل في الإذاعة الأردنية، حيث أسس برنامج "مع الجيل الجديد"، الذي ظل مثابراً على تقديمه حتى رحيله.

يرتبط تردد السبول وتنقلاته الكثيرة بين الوظائف باضطرابه، ووضعه النفسي عموماً. ويمكن للقارئ أن يلاحظ هذا الاضطراب في روايته "أنت منذ اليوم" التي سيُحتفى بها كأول رواية جديدة في العالم العربي. وقد عُدّ السبول رائد هذا النوع الكتابي. في هذا العمل، يتنقل الكاتب بين الأحداث والأمكنة من دون تقديم رابط منطقي يجمع بينها. تفكُّك مقصود من قبل السبول الذي أراد من خلاله التعبير عن الروح العربية المهشّمة بعد هزيمة حزيران (1967).

وقد نالت الرواية "جائزة دار النهار" اللبنانية عام 1968، مناصفةً مع رواية "الكابوس" للفلسطيني أمين شنّار، التي تشبهها من حيث التصنيف (في خانة الرواية الجديدة). لكن شنّار سيعيش طويلاً (حتى عام 2005)، ما سينعكس سلباً عليه وعلى روايته، بخلاف تيسير السبول الذي سيرحل باكراً، تاركاً لأصدقائه وقرائه مهمة إعادة تشكيل صورته كما يرغبون في رؤيتها. وكما نفعل عادةً مع جميع الأموات.

دلالات
المساهمون