صوّتت اللجنة البرلمانية المختصة بالتحقيق بعملية الفساد والكسب غير المشروع أو "عملية 17 ديسمبر" كما يُطلق عليها الإعلام التركي، بعدم إحالة أربعة وزراء سابقين ممن طالتهم القضية إلى المجلس الأعلى التركي للمحاكمة.
وضمّت اللجنة المكوّنة من 14 نائباً، تسعة نواب عن "العدالة والتنمية" هم الذين صوّتوا ضد إحالة الوزراء، وأربعة نواب عن "الشعب الجمهوري"، ونائباً عن حزب "الحركة القومية" هم الذين صوّتوا لصالح إرسال الوزراء إلى المجلس الأعلى للمحاكمة، بينما انسحب نائب حزب "الشعوب الديمقراطي" (جناح العمال الكردستاني السياسي) الوحيد في اللجنة، في وقت سابق، اعتراضاً على قرار المحكمة عدم السماح للإعلام بنشر معلومات حول القضية. وأكد رئيس اللجنة البرلمانية، النائب عن "العدالة والتنمية" حقي كويلو، أنه سيتم إرسال تقريرين إلى رئيس البرلمان التركي جميل جيجك، يوضح فيه كل من الطرفين رؤيته للقضية، في موعد أقصاه التاسع من الشهر الحالي، ليقوم بعدها جيجك بنشرها وإرسالها إلى الجمعية العامة خلال عشرة أيام من تسلّمه إياها. بعدها يجري تصويت آخر في الجمعية العامة، لا يبدو بأنه سيغير في الأمر شيئاً، فكما بدا واضحاً من وقوف نواب "العدالة والتنمية" إلى جانب زملائهم في اللجنة، فإنهم سيقفون معهم في البرلمان، وهم الذين يمتلكون الحصة الأكبر من المقاعد البرلمانية.
أثار قرار اللجنة البرلمانية ردود فعل شديدة من قِبل أحزاب المعارضة التركية، فاستنكر النائب ليفنت غوك، أحد قيادات الكتلة النيابية لحزب "الشعب الجمهوري" قرار اللجنة، قائلاً: "نحن أمام عملية واضحة لتغطية أكبر عملية فساد"، مشيراً إلى أن قرار اللجنة لا يعني تبرئة الوزراء السابقين.
في غضون ذلك، ترافق قرار اللجنة مع قيام فرق مكافحة التهريب والجريمة المنظمة التركية بتوقيف 15 من رجال الشرطة، في 8 ولايات تركية، ضمن عملية أمنية، على خلفية اتهامات بالتنصت غير المشروع، وهي التهمة التي تُوجّه لأعضاء حركة "الخدمة". وكانت "عملية 17 ديسمبر" التي طالت كلاً من وزير الاقتصاد السابق ظافر جاغلايان، ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق إغيمين باغش، ووزير الداخلية السابق معمر غولر، ووزير البيئة السابق أردوغان البيرقدار، مفاجأة لرئيس الوزراء حينها رجب طيب أردوغان مما اضطره إلى استبعاد الوزراء الأربعة المتهمين.
وفي اليوم الذي تم استبعادهم فيه، فُتحت قضية فساد أخرى في 25 ديسمبر/كانون الأول، لكن هذه المرة طالت أردوغان شخصياً وأفراداً من عائلته، مما دفعه إلى وصف هذه القضايا بأنها "محاولة انقلاب وليست عملية ضد الفساد"، مشيراً إلى ما أُطلق عليه في وقت لاحق اسم "الكيان الموازي"، في إشارة إلى حركة "الخدمة" التي يقودها الداعية فتح الله غولان.
وبدأ "العدالة والتنمية" بعدها حرباً شرسة ضد جميع المتعاطفين مع الحركة، أدت إلى حركة تنقلات كبيرة في صفوف الشرطة، وتحويل بعضهم إلى المحاكمات، وانتهت أخيراً بإيقاف أربعة مدعين عامين عن مزاولة أعمالهم، إلى حين صدور نتائج التحقيق حول دورهم في قضايا الفساد، بقرار من مجلس القضاة. والمُدّعون العامون زكريا أوز، جلال قره، معمر عكاش، ومحمد يوزكج، معروفون بولائهم لحركة "الخدمة"، وتم بعدها وضع الكيان الموازي في الكتاب الأحمر من قِبل مجلس الأمن القومي، الذي يضم المنظمات الخارجية والداخلية التي تشكّل خطراً على الأمن القومي، متقدماً على حزب "العمال الكردستاني" الذي تصدّر قائمة المنظمات الإرهابية لسنوات عديدة.
ويكشف مصدر مقرّب من "العدالة والتنمية" لـ"العربي الجديد"، بأن بعض نواب الحزب لا يعارضون إحالة الوزراء إلى المحاكمة، بل سيكونون سعداء لو تمت محاكمة غولر وجاغلايان وباغش، خصوصاً أنه تم إسقاط التهم عنهم في المحكمة في وقت سابق، مما سيقوّي موقف "العدالة والتنمية" أمام الشعب، لكن ذلك يلاقي اعتراضاً واضحاً من رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو، وأيضاً من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.
وبحسب المصدر، فإن داود أوغلو يبدي تردداً حيال إحالة الوزراء إلى المحاكمة، على الرغم من أنه تم إسقاط التهم الموجهة إليهم في المحكمة في وقت سابق، لأن إحالتهم تعني اعترافاً ضمنياً من قِبل "العدالة والتنمية" بعملية الفساد، وهو الذي يقف على أعتاب انتخابات برلمانية في يونيو/حزيران المقبل، يُعوّل عليها الحزب بشكل كبير لتشديد قبضته على البرلمان وتمرير إصلاحات دستورية تفضي إلى التحول للنظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، كما يعوّل داود أوغلو عليها لتثبيت نفسه كقائد لـ"العدالة والتنمية".
وعن سبب معارضة أردوغان، يؤكد المصدر أن إحالة وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق إغيمين باغيش، أمر يزعج أردوغان شخصياً، خصوصاً أن باغيش لطالما عمل في خدمة أردوغان لسنوات، بل وكان مترجمه الخاص ومستشاره.
يبدو واضحاً بعد أداء نواب "العدالة والتنمية" في اللجنة البرلمانية، أن قيادات الحزب اتخذت قراراً نهائياً بعدم إحالة الوزراء إلى المحاكمة وإغلاق الملف بشكل نهائي، على الرغم من تأثير هذا القرار على مصداقية داود أوغلو، الذي كان قد وضع مكافحة الفساد على رأس برنامج عمل حكومته أثناء المصادقة عليها في أغسطس/آب الماضي، وخصوصاً أن المعارضة لا تتوقف عن دفع الحكومة لمحاكمة أعضائها السابقين تحت عنوان "إن كانوا بريئين، فلمَ يخشون المحاكمة؟".