كان عام تونس حافلاً بالاحتجاجات والتحرّكات المطلبية التي شملت قضايا عدة، منها الفقر والعنف ضد المرأة وغيرها. واللافت أن المواطنين يصرون على تحقيق مطالبهم مهما تأخر الوقت. هم جاهزون للنزول إلى الشارع.
ربّما لا تكفي هذه الكلمات لسرد ما شهدته تونس من حراك شعبي اجتماعي هذا العام، وهو ما يعكس قلق المواطنين من جهة، وعجزاً حكومياً من جهة أخرى، إزاء سيل من المطالب لا ينتهي. وفي الوقت نفسه، يظهر رغبة المواطنين في التغيير، وإصرارهم على أن يكونوا ورقة ضغط على المؤسسات التشريعية والتنفيذية بهدف تعديل القوانين، وبالتالي قواعد الحياة في تونس. ورغم أنّه يُحسب للمؤسّسات الإدارية والسياسية تفاعلها مع عدد من الملفات، إلا أن "الشعب يريد أكثر". وتتجاوز مطالبه سقف المؤسسات.
انتفاضة الجنوب والشمال
يبقى تغيير واقع الجهات المهمّشة أحد أهم مطالب الثورة التونسية، وإن لم يتحقق كثير بعد رغم بعض محاولات الحكومة. وفي النتيجة، فشلت الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، ومعها الأحزاب السياسية، في صياغة مشروع حقيقي يمكن أن يشكّل قاعدة لبداية التغيير في الجهات التي أطلقت الثورة التونسية. ورغم أن الدستور التونسي نص على التمييز الإيجابي لصالح هذه المناطق، أي منحها الأولوية في التنمية، وتمكينها لتكون قادرة على إدارة شؤونها تدريجياً، والتقليص من سلطة المركز، إلا أن حسابات الأحزاب أرجأت موعد الانتخابات المحلية، وإتمام مجلة الجماعات العمومية المحلية (قانون ينظم الحياة في الجهات ويوضح صلاحياتها). وقبل أيام، اتفق على تحديد موعد نهائي لهذه الانتخابات في 6 مايو/ أيار المقبل.
كذلك، انتفضت مدينة سجنان شمال البلاد، وانتصرت لأم أقدمت على حرق نفسها احتجاجاً على حرمانها من منحة اجتماعية بسيطة، ما ذكّرت بالبوعزيزي الذي أطلق شرارة الثورة في تونس.
قوانين جديدة
حاله حال مجتمعات عربية وغير عربية، يعاني المجتمع التونسي من آفات كثيرة، لعل من أخطرها المخدرات وتنامي ظاهرة العنف لدى الشباب وفي المدارس وداخل الأسر. وتلفت مؤسسات ومراقبون إلى ارتفاع نسبة العنف بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة. ويحذّر كثيرون من انتشار المخدرات، وتحديداً الحشيش، بين الشباب التونسي والمدرسين.
وفي ظل استفحال الظاهرة، وزج شباب في السجون بأعداد كبيرة، أقرّ البرلمان تنقيح قانون المخدرات في 25 إبريل/ نيسان الماضي، مانحاً فرصة للتدارك لمن وقع في الفخ أوّل مرة. وتبحث السلطات التونسية اعتماد العقوبات البديلة في عدد من الجرائم البسيطة، للتخفيف من الضغط على السجون من ناحية، وتسهيل عملية الإدماج الاجتماعي من ناحية أخرى.
وصادق البرلمان على القانون الخاص بإحداث هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في 19 يوليو/ تموز الماضي.
وشاركت البلاد في حملة وطنية كبيرة لمقاومة الفساد وحماية المبلغين عنه، وقد اعتُقل عدد من رجال الأعمال المتورطين. وشهدت الشوارع التونسية أخيراً، إطلاق حملة إعلانية لتشجيع المواطنين على الانخراط في مقاومة الفساد.
وشهدت قبة البرلمان التونسي المصادقة بالإجماع على القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة في 24 يوليو/ حزيران في عام 2017، والذي يهدف إلى القضاء على العنف ضد المرأة من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية. وفي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أقرّ البرلمان قانوناً جديداً يسمح للمرأة بالسفر مع أولادها القصّر من دون الحصول على إذن من زوجها. وبحسب القانون التونسي الجديد، يحظر التمييز ضد المرأة في ما يخص مغادرة الأراضي التونسية مع الأبناء، وقد أُضيف فصل إلى قانون الجوازات ينص على أن يخضع سفر القصّر إلى ترخيص أحد الوالدين.
وبالتوازي، أُطلقت حملة توعوية ضد التحرش في وسائل النقل العمومية بدءاً من شهر سبتمبر/ أيلول في مدن تونس الكبرى، بدعم من الاتحاد الأوروبي وصندوق الأمم المتحدة للسكان.
المرأة جدال مستمر
ورغم أنّ القوانين التي تحمي المرأة التونسية تعد رائدة، إلّا أنّ السعي إلى منحها امتيازات إضافية يطرح جدالاً كبيراً بين أفراد المجتمع. وأثارت دعوة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، إلى تكريس المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وحق المرأة التونسية المسلمة بالزواج من غير المسلم في 13 أغسطس/ آب الماضي، جدالاً كبيراً لم ينته حتى اليوم. ويدعو السبسي إلى تطوير قوانين الأحوال الشخصية في العديد من المجالات لتكريس المساواة ومواكبة التشريع للسياق الزمني ومتطلبات العصر. ويؤكّد على ضرورة تنقيح المنشور عدد 5 لعام 1973 الذي يمنع زواج التونسية من أجنبي إذا لم يشهر إسلامه لدى مفتي الجمهورية، مؤكداً أن هذا المنشور أصبح يشكّل عائقاً أمام حرية اختيار القرين، وبالتالي تسوية الأوضاع القانونية لكثير من النساء المرتبطات بأجانب، خصوصاً أن الفصل السادس من الدستور يقر بحرية المعتقد والضمير، وهو ما حدث فعلاً بعد إلغاء العمل بهذا المنشور.
لكنّ الدعوة إلى المساواة في الميراث بين المرأة والرجل أثارت جدالاً واسعاً داخل وخارج تونس، وقد أعلن رئيس الجمهورية التونسية هذا القرار مؤكداً تشكيل لجنة لبحث صيغ قانونية لا تتعارض مع الدين ومقاصده ولا مع الدستور ومبادئه. إلا أن هذه الدعوة تسببت في انتقادات عدة وأثارت حفيظة الأزهر.
وتُناقش المنظمات والحكومة مشروع قانون يهدف إلى رفع سن التقاعد إلى 62 عاماً، والتسريح الاختياري للموظفين في القطاع العام. لكنّ شرائح اجتماعية ترفض ذلك، من بينها نقابات التعليم التي تحوّلت، الثلاثاء الماضي، إلى البرلمان لتعبر عن رفضها هذا المشروع، في وقت هناك تخوّف من أن الصناديق الاجتماعية باتت عاجزة عن أداء دورها، ما يجعل كل المنظومة الاجتماعية التونسية في خطر.
كوارث طبيعية
شهد العام 2017 كوارث طبيعية كبيرة لم يعهدها التونسيون، وقد اندلعت حرائق كبيرة أتت على عشرات الهكتارات من الغابات التونسية، وتضررت منها عائلات في محافظة جندوبة بشكل خاص. واجتمعت لجنة الكوارث للعمل على الحد من انعكاساتها وإقرار تعويضات من الحكومة في 4 أغسطس/ آب الماضي. ولم يتحدّد إذا ما كانت تلك الحرائق بفعل فاعل أم طبيعية. وفي الجنوب، هطلت أمطار غزيرة، ما أدى إلى وفاة معتمد مطماطة الجديدة ومسؤول أمني في محافظة قابس.
إيطاليا
غرق خمسة وعشرون مهاجراً تونسياً خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا إثر اصطدام القارب الذي كان يقلهم ببارجة تابعة للبحرية التونسية قبالة سواحل أرخبيل قرقنة في 9 أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2017. واحتج الأهالي مطالبين بكشف ملابسات غرق أبنائهم. وتعهّد القضاء العسكري بالتحقيق في الحادث، كاشفاً في الوقت نفسه عن استمرار مأساة الهجرة السرية الى السواحل الإيطالية بشكل كبير خلال هذا العام.
وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية الإيطالية، يقدّر عدد التونسيين الذين وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية بطرق غير نظامية 7988 مهاجراً في الفترة الممتدة ما بين 1 يناير/ كانون الثاني و30 نوفمبر/ تشرين الثاني. نصف هذا العدد وصل خلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، واعتقل 2783 شخصاً في أكتوبر/ تشرين الأول، و1293 مهاجراً في شهر سبتمبر/ أيلول، أي نحو 4076 خلال شهرين فقط.
وبحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية، فقد بلغ عدد محاولات الهجرة غير النظامية التي أحبطت منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول 307 محاولات.
تونس الخضراء
اعتاد التونسيون على نظافة شوارعهم، ولطالما عرفت البلاد بخضرتها. إلا أن تدهور الوضع البيئي بسبب عدم وجود مجالس بلدية منتخبة أضر بالوضع عموماً. وأمام سلسلة الاعتداء على الفضاء العام، وعدم التقيد بشروط العيش المشترك، أحدثت الحكومة سلك الشرطة البيئية، وأعلنت وزارة البيئة والشؤون المحلية عن بدء عملها في يونيو/ حزيران، ونشرها بـ 74 بلدية لفرض النظافة العامة وحفظ الصحة والحد من انتشار الفضلات، ما أثار استحسان التونسيين. وتعمل الشرطة البيئية على رصد التجاوزات واستقبال شكاوى المواطنين وفرض عقوبات في حال مخالفة قوانين الصحة.
وفي مارس/ آذار في عام 2017، صدر قرار جديد يقضي بمنع الأكياس البلاستيكية في المجمعات التجارية الكبرى، ما أثار جدالاً كبيراً في تونس، خصوصاً أن الأكياس البديلة ليست مجانية. وأعلن وزير البيئة، رياض المؤخر، أن هذه خطوة أولى نحو التخلي النهائي عن الأكياس البلاستيكية في تونس.
منتجو الأكياس البلاستيكية رفضوا القرار في البداية، باعتبار أنه سيقضي على إنتاجهم، ما دفع الوزارة إلى اعتماد سياسة المراحل لتنفيذ هذا القرار، ودعوة الصناعيين إلى إنتاج أكياس بديلة.