يقود رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، وساطة لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع داخل المجلس الأعلى للقضاء. وترتكز المبادرة على دعوة الفرقاء إلى طاولة حوار حول النقاط المشتركة بهدف إيجاد حل توافقي يفضي إلى انطلاق عمل هذه المؤسسة القضائية. ويتواصل تعطل عمل الهيئات القضائية في تونس في مشهد لا يبعث على التفاؤل. وزاد الانقسام الحاصل داخل هيئة المجلس الأعلى للقضاء، منذ انطلاق أعماله، من انقسام المشهد السياسي، ما ينبئ بتصادم وشيك بين مختلف السلطات في البلاد. ويرتبط انطلاق عمل المجلس الأعلى للقضاء بعمل المحكمة الدستورية وبمجموعة من التعيينات في المناصب القضائية العليا في البلاد، ما ينبئ بمأزق دستوري وشيك وخروقات مرتقبة قد تزعزع تماسك السلطة والعلاقة بينها.
وتطور الخلاف بين جمعية القضاة والحكومة ليبلغ حدّ التأزم. وقادت الجمعية عدداً من التحركات الاحتجاجية أمام قصر القصبة. ورفض رئيس الحكومة، يوسف الشاهد ومعاونوه استقبالهم والاستجابة إلى طلباتهم، بسبب رفض الحكومة الدخول في الخلافات بين المنظومة القضائية. وحمّلت رئيسة الجمعية، روضة قرافي، رئيس الحكومة "المسؤولية، لتعمده عدم إصدار التعيينات في الوظائف الشاغرة، ما عرقل استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء على غرار وظيفة رئيس محكمة التعقيب". وقالت قرافي، لـ"العربي الجديد"، "توجهنا إلى رئيس البرلمان ليؤدي دوره في الضغط على الحكومة، باعتبارها منبثقة عن هذا البرلمان، وله سلطة رقابية على أعمالها"، مؤكدة أن الناصر يستطيع تأدية دور مهم في الخلاف القائم بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية باعتباره يترأس سلطة محايدة، وهو مسؤول عن ضمان تنفيذ الدستور وعمل المؤسسات الدستورية.
وأضافت قرافي أن "الشاهد يتحمّل مسؤولية تعطيل أعمال المجلس الأعلى للقضاء، وذلك برفضه إصدار الأوامر المتعلقة باستكمال تركيبة المجلس حتى تتم الدعوة لانعقاده بطريقة قانونية"، مذكرة بما وقع مع رئيس الحكومة الأسبق، علي لعريض، في عام 2013، والذي رفض التوقيع على أوامر تسمية القضاة، إلا بعد إصدار القضاء الإداري حكمه في القضية بإعطاء الهيئة الوقتية للقضاء العدلي مطلق الصلاحية في التسميات. وأعلنت أنه "يفترض الدعوة لعقد المجلس الأعلى للقضاء بتركيبته الكاملة، طبقاً للقانون والدستور، من قبل الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، والذي أحيل على التقاعد منذ سبتمبر/أيلول 2016".
وفي المقابل، يرى جزء آخر من القضاة، الممثلين في اتحاد القضاة والنقابات القضائية، أن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء مكتملة، والهيئة الحالية شرعية، ويمكنها الانطلاق في عملها، ولا موجب للاحتجاج ضدها، معتبرين أن ما يقوم به رئيس الحكومة يأتي في إطار احترام القانون وعدم الرغبة في تجاوز الدستور والسطو على صلاحيات المجلس الجديد. وقال رئيس اتحاد القضاة الإداريين، وليد الهلالي، لـ"العربي الجديد"، إن "الهياكل القضائية طالبت بأن يتم حل هذه الأزمة بالتوافق بين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، لكن مختلف الهياكل القضائية لم تستجب لهذا المقترح، وبالتالي تم التوجه إلى رئيس البرلمان، بصفته يمثل السلطة التشريعية، والتي أصدرت قانون المجلس، وهو السلطة المحايدة بين أطراف النزاع". وأضاف "ليس للهياكل القضائية وصاية على المجلس الأعلى للقضاء"، معتبراً أن "قرارات الترشيح الصادرة عن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي غير قانونية ومخالفة للدستور". وأكد أن "الهيئة الوقتية للقضاء العدلي انتهت مهامها منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتحولت إلى هيئة تصريف أعمال فقط، بالإضافة إلى أن هيئة القضاء العدلي وجهت قرارات الترشيح التي أصدرتها إلى سلطة غير مختصة، باعتبار أن رئاسة الحكومة لا تعد المرجع المختص في التوقيع على قرارات الترشيح الصادرة عن الهيئة والمتعلقة بعمليات التعيين في المناصب القضائية".
وفي إطار مبادرة تقريب وجهات النظر ورأب الصدع الحاصل داخل المجلس الأعلى للقضاء، عقد رئيس البرلمان سلسلة من المحادثات الثنائية، مع قرافي، ورئيس نقابة القضاة التونسيين، وليد البوسليمي، ورئيس اتحاد القضاة الإداريين، وليد الهلالي، ورئيسة اتحاد قضاة دائرة المحاسبات، فاطمة قرط، ورئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان، مراد المسعودي. وعرض الناصر على مختلف الأطراف الجلوس حول طاولة حوار والانطلاق في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، بهدف البحث عن أرضية للحوار والعمل بعد انسداد جميع آفاق التواصل بينهم. ودعا إلى التسريع بانعقاد اجتماع المجلس الأعلى للقضاء، بحضور الجميع، والعمل على سد الشغور المتبقي والمضي نحو تسوية الملفات العالقة. ويعتبر رئيس البرلمان أن الوضع وصل إلى مرحلة خطرة تهدد كامل المسار الديمقراطي وتماسك مؤسسات الدولة، لأن تعطل عمل هذه الهيئة الدستورية سيؤدي إلى تعطل مرافق الدولة الأخرى وسيحدث إرباكاً لدى السلطة. ووافقت كل الأطراف المتنازعة على طلب رئيس البرلمان تحكيمه ووساطته. وينتظر أن يدعو مختلف الأطراف إلى جلسة أولى قد تؤدي إلى عقد جلسة لكامل التركيبة المعينة والمنتخبة. يذكر أن المجلس الأعلى للقضاء كان قد عقد جلسته الافتتاحية بحضور 21 عضواً من القضاء العدلي والإداري والمالي ومن المحامين والأساتذة المحاضرين الجامعيين، وسط احتجاج قضاة على مسار عمله ومقاطعة الجمعية بصفة معلنة.